الهند بين بتشان وبرزك

TT

كلما نويت السفر الى ارض بعيدة أبدأ بتجميع مكتبة صغيرة عنها لأعرف أين اضع قدمي، ومع ان هذه العادة المثقفة تسلب الدهشة فإنها مع الزمن تصبح ضرورية، لا سيما حين لا يبقى في العالم الكثير مما تراه سياحيا لأول مرة مع هجمة التلفزيون الذي لا يترك الكثير من الآفاق المفتوحة امام المخيلة اللابدة.

لقد رأيت الهند قبل ان اذهب إليها بعيون الشاعر التشيلاني بابلو نيرودا والشاعر السوري عمر أبو ريشة، والاثنان معجبان بها الى حد الوله. وكنت قد رأيتها بعيون السندباد البحري ثم جاءت افلام راج كومار وبتشان، فذبت في سحر الطبيعة والجمال الهندي وظل السؤال الخالد دون جواب: لماذا نساء الواقع في الهند لسن مثل نساء السينما الهندية؟

وهذا السؤال وغيره لا أثق بالعثور على جوابه عند شيخ الشباب يوسف بن احمد الشيراوي فالرجل معجب بالهند الى درجة يريد ان يربط مستقبل الخليج العربي كله بها، فهناك، كما يعتقد ذاك المتعصب للهند، الامتداد الطبيعي والعمق الاستراتيجي والسوق المفتوحة امام بضائع الخليج الذي كانت سفن تجاره ومغامريه تمخر عباب بحر الهند منذ ايام الاسكندر المقدوني الذي ارادها التخم الاخير لامبراطوريته العولمية ومنها بدأت انكساراته العسكرية المؤسفة.

وعلى ضوء هذه الخلفيات والتقاسيم وفي ما أعد العدة للرحيل الى بلاد المهراجات هربا من بلاد الخواجات، وقع بيدي كتاب عجيب غريب ابحث عنه منذ دهر وهو كتاب «عجائب الهند» لبرزك بن شهريار الرامهرمزي.

وكان المستشرق فان دارليت قد نشر هذا الكتاب منذ منتصف القرن التاسع عشر ثم صدرت له طبعة في القاهرة مطلع القرن الماضي، واختفت وظلت اثارها في كتاب الدكتور حسين فوزي «حديث السندباد». وها هو الكتاب يظهر من جديد وهذه المرة في طبعة أنيقة عن مجمع ابوظبي الثقافي حققها عبد الله بن محمد الحبشي.

وقراءة هذا الكتاب لا تضيف جديدا لما نعرفه عن الهند من تجار ألف ليلة وليلة، اما ميزته الكبرى ففي هذه (الفانتا ـ واقعية) التي تمت رواية الحكايات بها. والتعبير المقوس مصطلح اقترح ان نشتقه من الفانتازيا والواقعية، فالمؤلف يحكي ما لا يمكن تصديقه بأسلوب كأنه الصدق ويجب ان تكون مخيلتك حرة وشجاعة وساذجة لتصدق ما يرويه ثم تجري عليه بعض التعديلات التي يقتضيها احترام العقل الذي لا يقيم له المؤلف كبير وزن.

لقد رأى برزك بن شهريار في الهند نوعا من الرقيق بابدان عبلة واجسام كأنها الزبد نعومة ويكادون يطيرون خفة ونشاطا لأن تحت كشح كل منهم جناحين كجناحي السلحفاة ـ هكذا ـ فلما وصل الى موطنهم في جزائر الحوت وسأل عن السبب جاءه الجواب هناك من شيخ اصله من الاندلس قال مفسرا: نحن قوم نزل رجالنا على اناث البحر، واضطجعت نسواننا لذكران الحيوان بالبحر فتنتج من ذلك خلق مشتبهون بين هؤلاء وأولئك.

ونحن هنا امام ظاهرة عرسان البحر التي تقابل عرائس البحر، وهي ظاهرة لا يمكن ان يكتشفها إلا نوخذه من اصحاب المخيلات المثلية، واظن ان برزك كان من هؤلاء فهو يشنع على النساء كثيرا ويزعم في اخبار جزيرة النساء انهن من شدة نقص الرجال كن يتقاتلن على جيف الذكور بعد امتصاص رجولتهم. وفي موضع آخر يذكر ان نساء منطقة (قنوج)، ولا اعرف اسمها بالضبط حاليا، يكسرن باعضائهن الخشب القاسي ولعل اسم المدينة صيغة مبالغة لاسم الفاعل من الغنج او ربما تكون محورة من اسم النهر الشهير (الغانج)، وفي كل الاحوال فإن عدم الذهاب إليها ارحم واسلم لمن شاء النجاة بما منحه الله من فحولة.

وهذا المؤلف المعجب بالعجائب لا علاقة له بالعلم ولا بالعقائد البوذية، والهندوسية، فابرز ظاهرة عند السيخ وهي شد لحى الرجال وشعورهم يفسرها مؤلف عجائب الهند رواية منسوبة الى عبد الواحد بن عبد الرحمن الفسوي الذي يقول ـ اعانك الله على روائح السذاجة في احاديثه: ان الهند كانت تشد شعورها مثل القلانس على الرؤوس لأن حربا وقعت بين طائفتين فاستظهرت احداهما على الأخرى، وقالوا معا نرجع عنكم إلا ان تجعلوا شعوركم ساجدة لشعورنا، وهكذا صارت الفرقة المستظهر عليها تشد شعورها منكوسة.. يا حرام!! وتفسير من هذا النوع قد يقنعك بأن طلب العلم والمعرفة في أفلام بتشان افضل من التتلمذ في معرفة الهند على يد الاستاذ برزك.