تهمة نشر الإيدز في ليبيا

TT

ما يعرف اليوم بمحاكمة البلغار المتهمين بنقل الايدز يثير الحيرة فعلا. فهل هي كيدية، ام انها سياسية، ام انها عمل جنائي، ام هي قصة مفبركة؟ لا احد يستطيع ان يدعي ان بين ليبيا وبلغاريا ثأرا سياسيا ولا يوجد خلاف على مصالح استراتيجية حتى تحسب ضمن دائرة التصفيات القائمة، وبالتالي لماذا يفعلها البلغار او لماذا يخترعها الليبيون؟ المخالفات الطبية المتعمدة موجودة في كل مكان توجد فيه مهنة الطب، مثل اي مهنة أخرى تبتلى بالمحتالين او عديمي الرحمة، ففي بريطانيا اودع السجن طبيب قتل اكثر من مائة وعشرين من مرضاه على مدى عشرين عاما، لا لسبب سوى انه هو نفسه صاحب عقل اجرامي. وما يثير الإشكال في محاكمة البلغار التي بدأت قبل عام ونصف عام انها غير واضحة المعالم، فهي لم تنعقد كما ينتظر، وأجلت 12 مرة، ومع انها عرفت بمحاكمة البلغار الا ان المتهمين الـ16 ليسوا جميعا بلغارا، فبينهم طبيب فلسطيني وغيره. وما زاد الإشكال تعقيدا ان الزعيم الليبي معمر القذافي حمل القضية الى مؤتمر الايدز الذي عقد في ابوجا لمناقشة مشكلة انتشار الايدز في القارة الافريقية، وهناك أصر القذافي على وجود مؤامرة لنشر الايدز في بلاده لأغراض سياسية.

ولعل ليبيا تضع حدا للخلط بين الظنون والحقائق لو انها جعلت الاتهامات تعرض بشكل موثق وتسمح لأطراف اخرى، كونها تهما ذات طابع علمي طبي، بفحصها. فمن الصعب عادة تصديق ان اطباء وممرضين يجمعون على الإضرار بمرضاهم لأسباب سياسية. قد يكونون اطباء غير مؤهلين ورأينا كثيرين مثلهم جاءوا وعملوا في المنطقة العربية وبعضهم وظفوا بشهادات طبية مزورة. وقد يكونون ضحية خلافات شخصية داخل المهنة، وبالتالي ما حدث لم يكن الا تهما ملفقة، وقد تكون كما يقال عملا دنيئا متعمدا لأغراض سياسية، وهو امر لم نسمع بمثله من قبل، ويستوجب تقديم الاثباتات عليه. فما الذي تجنيه اجهزة المخابرات العالمية بحقن الاطفال بفيروس الايدز؟ ما الذي يمكن ان تحققه من الاضرار مثل هذه الاعمال المحدودة حتى لو اصابت مائة او مائتين مقابل ما يستطيع اي متآمر تحقيقه من وراء تفجير واحد او تلويث مخزون المياه او غيره الذي لا يتطلب مثل هذا الحشد الكبير من الاطباء والممرضين؟ لكن في المقابل لا نعرف لدى الليبيين دوافع للإساءة للبلغار، وبلغاريا دولة صديقة لم تكن قط طرفا ضد طرابلس في اي من القضايا السياسية المتداولة، وبالتالي لا يعقل ان تكون التهم كيدية سياسية.