بعيدا عن خط النار: مشكلتنا مع كرزاي وأفغانستان

TT

ناقشت محتويات كتابي الجديد «في خط النار» In the Line of Fire والحرب على الإرهاب، مع أعضاء مجلس العلاقات الخارجية الاميركية، وقد توالت أسئلة كثيرة حتى من قبل رؤية كتابي للنور منتصف الأسبوع الماضي، وبين تلك الأسئلة أن الوضع يزداد تعقيدا بسبب ظهور المزيد من الجبهات، من العراق الى لبنان الى تمرد طالبان في أفغانستان، فما العمل خاصة أن من الواضح ان استخدام الوسائل العسكرية وحدها لمواجهة الإرهاب امر خاطئ.

من جانبي قلت وأكرر أن التطرف هو القوة التي تفرخ الإرهاب، لذا يجب ان نعالج جذور التطرف، الذي ينمو في ظل الفقر والعزلة والإحساس بالظلم في العالم الاسلامي، وهو لا يزال ينبع من عدم حل قضية فلسطين بصورة عادلة، كل ما يمكن ان تحققه الوسائل العسكرية، هو كسب الزمن وإيجاد البيئة التي تساعد على المفاوضات السياسية وتطبيق سياسات التطور الاجتماعي. وبما ان ما استخدم حتى الآن اقتصر على الوسائل العسكرية، فلنا أن نقول في المقابل أن من ظل موجودا في قلوب وعقول الناس، لم يتغير بعد.

وإلى ذلك يذهب تقديري أننا في حاجة إلى حل القضية الفلسطينية أولا، لأن هذه الخطوة ستؤدي الى ظهور آثار ايجابية في كل مكان. أما محاولة حل مشكلة العراق او لبنان اولا، فلا تعدو ان تكون وضع العربة أمام الحصان. إذ ان فلسطين لا تزال في قلب العوامل التي تدفع الى التطرف والإرهاب والتفجيرات الانتحارية.

أما بالنسبة للعراق فالمشهد السياسي بمعطيات الحاضر يوحي بأنه إما ان يظهر نظام اوتوقراطي، للإبقاء على البلاد متماسكة، أو أن يبذل النظام الديمقراطي المزيد من الجهود في سبيل تمثيل عادل للأكراد والسنة والشيعة. والأمر الأكثر إلحاحا هو تسليم الأمن الى العراقيين بغرض خفض وجود القوات الأجنبية بأسرع ما يمكن.

ولنا أن نذكر هنا أنه لم تكن هناك مشاكل تذكر بين الشيعة والسنة قبل عام 1979. فالثورة الايرانية هي التي اتت بهذه الفوارق الى الواجهة. وفي نهاية الأمر الشيعة والسنة مسلمون جميعا. هذا جانب يمكن علاجه، ولا يمكن بأية حان ان نقول انه غير قابل للحل ويمكن ان يتغير بالتعليم بمرور الزمن. القضية الحقيقية هو الشعور بالعزلة والغضب في مختلف أنحاء العالم الاسلامي وسط السنة والشيعة على حد سواء.

أما عن باكستان والزوبعة الإعلامية التي صاحبت توجهاتنا بشأن الأوضاع في الجارة أفغانستان، فليس هناك تغيير في الوضع العسكري على الارض. لم يبعد جندي واحد. ما فعلناه هو التوصل الى اتفاق مع المجلس المحلي لأعيان القبائل ـ جيرغا ـ بغرض مواجهة حركة طالبان ونشاطها، وذلك من قناعة أن «القاعدة» تشكل خطرا على العالم، وفي المقابل لنا أن نعترف أن طالبان اليوم هي نفسها طالبان التي حكمت أفغانستان في السابق، والسكان المحليين فقط هم القادرون على ان يتعرفوا عليهم ويدلونا عليهم.

أما الأمر الأكثر خطورة، وهو وارد الحدوث في افغانستان اليوم هو انضمام أغلبية البشتون الى طالبان والتحول الى حركة شعبية ضد الأجانب. ولذا فالأمر الأكثر أهمية في هذه اللحظة هو قطع أي صلة بين البشتون وبين طالبان. هذا هو ما تدور حوله الاتفاقية أقلها من جانبنا على الحدود في هذه المناطق التي تعيش فيها قبائل البشتون.

وباختصار، فنحن نريد ان يهزم الناس طالبان، وسنقف الى جانبهم، ولكن اذا استخدمنا الوسائل العسكرية فقط فسننتهي الى الفشل.

وهنا لا بد من إشارة أراها جوهرية، وهي أن الفعالية في مثل هذه المسارات ومعها، تتطلب ان تكون المعلومات الاستخباراتية فورية، يضاف الى ذلك نقطة أخرى لا بدّ وأن نبقيها نصب العين، وهي ان الأهداف التي نريد مهاجمتها لا تبقى ثلاثة شهور في انتظارنا. وعلى ذلك يمكن القول، على سبيل المثال أن الأرقام الهاتفية التي مرت عليها ستة شهور مثلا، غير ذات فائدة. هذا هو نوع المعلومات الذي تلقيته من رئيس استخبارات كرزاي. كنت صارما معه وقلت له: هل انتظرت الزيارة الرسمية لتبلغني بذلك؟ لماذا لم ترفع سماعة الهاتف وتتصل بي مثلما فعلت الاستخبارات البريطانية في الآونة الاخيرة، عقب مخطط تفجير الطائرة، لأن الذي حدث هو أننا تمكنا بفضل ذلك التصرف الفوري، من ألقاء القبض على الرجل خلال اربعة أيام».

والشاهد، أننا ومع الحالة الأفغانية أخذنا معلومات كرزاي، ولي أن أعترف أن معظمها كان بلا فائدة. فإما اننا لم نجد أحدا او أننا وجدنا اشخاصا مسالمين. وبمنتهى الوضوح فقد كان الأمر نكتة. كانت هناك منازل في القائمة كنا قد داهمناها قبل فترة طويلة وأغلقناها تماما.

وأخيرا، ولمزيد من الوضوح أقول إنه من المؤسف ان يعتقد الرئيس كرزاي ان كل المشاكل من جانب باكستان، ولسبب بسيط وهو أن الملا عمر لا يزال يدير حركة طالبان ولم ير باكستان طيلة حياته.

وهنا، وبمنتهى الوضوح، اتحدى أي شخص يقول ان كويتا هي مركز لحركة طالبان، وخاطئ من يظن ذلك، فباكستان والولايات المتحدة تعملان بتنسيق كامل في الجانب الاستخباراتي، وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لا تعتقد ذلك.

والشاهد الأخير في هذه المداخلة، هو أن المشكلة ليست باكستان، وإنما في عزلة البشتون. ربما يكون الحل لكل هذه المخاوف إزاء الحدود تشييد جدار فاصل.. لم لا؟ فالهند قد شيدت جدارا بطول 500 ميل على حدودها. هذا حل عملي.

* رئيس باكستان، والمقال من حوار أجراه معه مراسل خدمة «تريبيون ميديا سيرفيسيز» (خاص بـ«الشرق الأوسط»)