شارون وهذاء اليمين و«حيلة الخنزير»!

TT

تزعزع الانتفاضة الثانية، كل يوم، أكثر فأكثر، «ايمانات» الصهاينة بـ: ان قوتهم العسكرية خارقة، قادرة بسرعة خاطفة على الاستئصال الفوري لكل خطر يهدد أمنهم! وان وجودهم في فلسطين أبدي! وانهم وان لم ينجزوا استحقاق اسرائيل الكبرى، سيكونون سادة المنطقة من النيل الى الفرات بالمال والتكنولوجيا! وانهم وانهم..! لكن المطلع على التصريحات اليمينية الهستيرية وتقلبات استطلاعات الآراء ومقالات الرأي الإسرائيلية، المترجمة في الصحافة العربية، يلمس تعبيراً واضحاً عن اضطراب وجودي يهز بنية اجتماع اليهود في فلسطين ومبيان كيان دولتهم الصهيونية.

فلأول مرة، بعد ثلاثة وخمسين حولا من إعلان قيام إسرائيلهم، يحتفل اليهود بذكرى قيام دولتهم الصهيونية الكولونيالية العنصرية وهم متجهمون كأنهم منكوبون! يغلب عليهم التشاؤم بشأن مستقبل وجودهم! ان 79 بالمائة من اليهود قلقلون من وضع الدولة (=وضعهم الوجودي)، كما ورد في استطلاع لآراء اجري بمناسبة ما يسمونه «عيد الاستقلال» الذي هو وهم من أوهام وجودهم التي يقدسون للتغطية على نكبهم الفلسطينيين في ارضهم واملاكهم وبذريعة خرافية لا مثيل لوقاحتها الا في ثقافتهم العنصرية الخسيسة، زادها خبثاً الغرب (الاوريكي = الأوربي ـ الأمريكي)، الذي كبهم في الشرق، خلاصا منهم وتوظيفا لهم ليقوموا بإدارة آخر مستعمراته في الشرق! وفي الذكرى الثالثة والخمسين لقيام كيانهم، وحيث ينتفض الفلسطيني الأعزل لوحده ضد جبروت قوتهم العسكرية (التي هي من قوة الغرب)، نجد أن 24 بالمائة فقط من اليهود يؤمن انه بعد خمسين سنة سيحل السلام بين اسرائيل وجيرانها، فيما يتوقع 75 بالمائة استمرار العداء، و24 بالمائة يعتقدون أن الحرب الكبيرة قادمة.

ورغم عديد المحللين الإسرائيليين، من اليسار واليمين، الذين يجمعون على قوة اسرائيل العسكرية الساحقة في مواجهة الانظمة العربية الرسمية، لكن لا أحد بينهم واثق من القضاء على الانتفاضة! يفتخر اليمين الصهيوني باسرائيل «العملاقة»، الصغيرة مساحة وسكانا، التي قدرت في ثلاث وخمسين سنة ان تنجز ما ليس بوسع دول كبيرة انجازه في قرون! يفتخرون بأنها أصبحت تنتمي إلى منتدى العشارية العليا من حيث مداخيل الفرد! وان جيشها واحد من الجيوش الخمسة الأقوى في العالم! ومن بين الدول الثماني التي تمتلك قمراً صناعياً تجسسياً من إنتاجها! ثم انها واحدة من الدول النووية السبع! طبعا لا يرد في التحليل عندهم ان ليس في الأمر عبقرية مختارة لـ «الشعب المختار»، وان اسرائيل المصورة برسم «المعجزة الخارقة» ما كانت لتكون بقوتها العسكرية ـ التكنولوجية هذه إلا بكونها زائدة كولونيالية غربية (اوريكية)! فالغرب الذي قال على لسان احد غزاته: ها قد عدنا يا صلاح الدين.. لم يقل وهو يسحب جيوشها من فلسطين: ها قد انسحبنا!! وإنما قال: ها نقيم اسرائيل امتدادا لنا، قوتها من قوتنا، ونجمتها من صلب صليبنا! لكن هذه الاسبارطة النووية، هذه الصهيونية ـ النازية المقلوبة، يعصف بها قلق وجودي جوهري ناجم عن وجودها الخطأ في المكان الخطأ، وان كان في زمن مناسب بسبب ضعف العرب واستجابتهم للاستعمار والهيمنة، فهو يظل زمنا مؤقتا وان طال وليس بالضرورة قدرا مؤبداً! ان بني صهيون هم بنو وهم في دولة كولونيالية يتقلبون على قلق سياسي عصابي ذات اليمين وذات اليسار، يبدلون رئيسا برئيس، ينتقلون من باراك إلى شارون وما قبلهما وما سيأتي بعدهما، ماضين في هذائهم الخرافي، متعطشين إلى دم الفلسطيني، طالبين المزيد من القتل والتدمير والتجويع، حتى انهم يعتقدون ان شارون معتدل ولين، وحيث يصيح لسان اليمين: «لقد انتخبنا شارون ولكننا حصلنا على بيريز» وحتى ان نتنياهو خرج عن صمته ليزايد على شارون في «فن» الحقد وخطط البطش، معتبرا ما يرتكبه شارون من بطش اجرامي اجراءات «ناعمة». وظهر ايضا الحيوان السياسي المنقرض شامير عبر مقال بقلمه هذى فيه ان «الصهيونية لم تنه دورها بعد»، وأنهم «بحاجة إلى عشرة ملايين يهودي في اسرائيل من اجل توطين الاجزاء الخالية في نابلس والنقب والجليل وغور الاردن».. انهم، حقا، شعب منهك ويمين تائه، كما كتب يهودي منهم! ولم يقل ويسار تافه! انهم يمنون النفس المريضة ان ترى عاجلا اليوم الذي تسمع فيه الفلسطيني يطلب منها الرحمة والعفو مسلما لها روح الانتفاضة في قمقم لتدفنه في باطن بواطن الأرض!.. ثم تنظر بعين «الكرم اليهودي» الشايلوكي الى حاجات السكان الفلسطينيين وتسهيل طرائق عيشهم! أولم يقترح بيريز، في خسة يهودية أصيلة، امام كولن باول مشاريع «انسانية» لخدمة الفلسطينيين مقابل وقف الانتفاضة مثل انشاء محطة تحلية لمياه البحر واقامة منشأة لتوليد الكهرباء وقطار يصل بين غزة واسرائيل! فيعتبرها كولن باول، في انصياع امريكي اصيل «أفكارا لامعة»! وليس بمستغرب ان نرى في قادم الايام السريالية مبعوثا امريكيا يجول في المنطقة عارضا مبدأ جديدا: الماء المُحلى مقابل الأمن! انهم، في اسرائيل، حيث مجرم الحرب شارون واجهة اليمين الصهيوني الفاشي المريض في حالة تقيحه العفن، يراهنون على سياسة «دع الجيش ينتصر»، وفي تقديرهم ان الظروف الاقليمية والدولية ملائمة لاعتقال الشعب الفلسطيني في معازل مقطعة الاوصال، ليمارسوا ضدهم «فنون» التجويع والاذلال والهدم والتدمير والتجريف والى ذلك مسلسل القتل المستمر بحسب خطة المائة يوم هولوكوست.. وسيستمر، ما دام، في تقدير اسرائيل، «عرب السلام» يخشون من الانتفاضة اكثر من اسرائيل نفسها! (فهم لا يقابلون خطة المائة يوم المتصاعدة تجويعاً وقتلاً وتدميراً بخطة سياسية مقابلة تصعد ضغطها الاقليمي والدولي وتنفتح بكل ثقة على الشارع العربي!).

ان «عرب النضال والجهاد» يجعجعون ويقرقعون فلا نضال ولا جهاد ولا هم يحزنون، وان موقف اوربا لن يصل بحال من الاحوال الى معاقبة اسرائيل، فتلك القارة العجوز المنافقة تحافظ على موقفها من اسرائيل على حاله في اطار المساواة في طلب وقف العنف بين السفاح والضحية وتدعو الطرفين الى ضبط النفس، أي تدعو القتيل الفلسطيني ان يضبط نفسه وهو يقتل! وأوربا لديها الحق في ما تبديه من موقف مائع مخادع ما دام العرب اصحاب القضية الأقربون لم يضغطوا عليها أو يشعروها بتضرر مصالحها كي تضغط بدورها على اسرائيل التي تحظى بشراكة مدللة مع الاتحاد الأوربي الذي يوجد عصب مصالحه في قبضة العرب.

اما في امريكا، فالوجد والجذب متصل على نحو «صوفي» بين الاصوليتين: أصولية اليمين المسيحي الابيض المؤمنة بانها تمثل «العهد الجديد» المتحدر من «العهد القديم» الذي تمثله اصولية اليمين اليهودي الصهيوني! وفيما بوش الابن هو تعبير زعامي راشح عن طبقته الناخبة متماهي بريغن وبوش الأب ومهوس بالحرب الباردة ويريد ان يجعل من الصين كما كان الاتحاد السوفيتي في عهد ابيه، (نائبا ورئيسا)، اما العرب، فهم، في تصوره، ضخاخو نفط أو مارقون اشرار! والفلسطينيون، عنده، شعب تقوده منظمات ارهابية، وانه لن «يدلل» عرفات كما كان يفعل كلينتون، وان على عرفات ان يلتزم بدوره، وان لا يخرج على النص اذا اراد ان يبسط له البساط الاحمر تحت قدميه الى البيت الابيض. والفكرة الرائجة في الادارة الامريكية ان عرفات يتفاخر انه الزعيم الاكثر ترددا على البيت الابيض، وقد جعلوا من الاعتقاد بأن عرفات «مغرم» بزيارة البيت الابيض وطلب «رضى» امريكا عنه، سياسة ضغط عليه، وهذا ما دعا مسؤولا امريكيا بارزا الى ان يصرح، لصحافي اسرائيلي، بأنه يعتقد أن عرفات يشعر انه مهمل من الرئيس بوش وانه اذا حظي بعناية مناسبة فقد يلين مواقفه.

والحقيقة، ان عرفات يغيظهم، لأنه غير معني بأن يرضى عنه اليهود النصارى (=الامريكان) فقد ركل عروضهم في كامب ديفيد وطابا واختار ان يكون مع شعبه وبشعبه. ويبقى..

ان اليمين الفاشي، المرفوع الى حكم اسرائيل بأصوات غالبية اليهود، هو خيار تائهين، حتى انهم، في هستيريا البحث عن خلاص من الانتفاضة، قدحوا خيالهم اليهودي المريض لدرجة لم يتورعوا فيها عن طرح فكرة استخدام وسيلة «حيلة الخنزير»، والمقصود بها تغطية جثث الشهداء الانتحاريين، طلاب الشهادة والجنة، بجلود الخنازير باعتبار الخنزير حيوانا نجسا في الدين الاسلامي، مما يمنع الاستشهاديين من القيام بالعمليات الانتحارية «لأن الجثة التي تغطى بجلد الخنزير تدنس فلا تدخل الجنة».

ان اليهود من اصحاب الخيال النجس هذا والفكرة الخنزيرية هذه، لا يفهمون ان طهارة الشهيد من طهارة الروح وما الجثة الا قوت الدود، ولا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها! ثم، كيفما تفتق خيالهم عن افكار نجسة من نجاسة شارونهم، سيتكاثر طلاب الاستشهاد الانتحاري كلما صعدوا بطشهم في سبيل تطهير الارض من نجاسة الاحتلال! [email protected]