حول الاعتداءات العراقية على الحدود الكويتية

TT

 تكررت في الأسابيع الأخيرة اعتداءات يقوم بها عراقيون على الحدود الكويتية العراقية، الاعتداءات أخذت أشكال إطلاق النار على المراكز والدوريات الحدودية الكويتية بأسلحة خفيفة معظمها من رشاشات الكلاشنيكوف. الحكومة الكويتية سارعت بتقديم الشكوى للحكومة العراقية من هذه الاعتداءات، والحكومة العراقية أدانتها ونسبتها إلى الصداميين الذين يحاولون تخريب العلاقات «الأخوية بين البلدين الشقيقين»، وإلى عناصر إرهابية تحاول نشر الفوضى والخراب. الحكومة العراقية ينطبق عليها المثل الشعبي القائل: «عمار، ما عزيت نفسي أعزيك»، أي أن الحكومة العراقية بحاجة لمن يواسيها ويعزيها ويساندها في محنتها التي تواجهها إرهابا وفوضى.

 تكررت الإعتداءات، وتكاثر التذمر في الصحافة الكويتية وتعددت التصريحات الرسمية والتساؤلات البرلمانية الكويتية بضرورة وقفها. الكويتيون يقولون إن مثل هذه الاعتداءات لا تحصل على الحدود السورية أو الأردنية أو الإيرانية لأن العراقيين يرون في الكويت دوما «الطوفة الهبيطة» أي الحائط المنخفض. على إثر تفاقم الموقف، صرحت مصادر الأمن والدفاع الكويتية بأن الكويت سوف تتصدى لهذه الاعتداءات بكل قوة. مما يذكر أن المراكز الكويتية ترد على الإطلاق بالمثل في هذه الحالات دفاعا عن النفس.

تساؤل المراقبون والمتابعون: من يقف حقا وراء هذه الإعتداءات؟ أصبح معلوما أن الجنوب بمدنه وحدوده تحت سيطرة الميليشيات الشيعية السياسية، وهذه الميليشيات بدأت بنظام محاصصة بينها لا يقوم على أساس شيعي ـ سني، ولا على أساس عربي ـ كردي، وإنما على أساس شيعي ـ شيعي، فتتقاسم الميليشيات الشيعية الجنوب نفطا ومحافظات وجامعات ووظائف بل وحتى مراكز حدودية للتهريب الذي يتراوح بين النفط والمخدرات والسلاح وغيرها، وأكبر الميليشيات الشيعية السياسية المسلحة هما تنظيمي بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ـ جماعة الحكيم، وجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر أي ما يسمى بالتيار الصدري.

ويتساءل الكويتيون: هل يمكن أن يكون هذان التنظيمان وراء هذه الهجمات رغم علاقة قادة التنظيمين الحسنة والتاريخية بالكويت، فهما يزوران الكويت باستمرار وعلى علاقة متواصلة معها؟ المتشائمون من الكويتيين يقولون إن هذه طبيعة عراقية لم تتغير، فصدام كان على علاقة «سمن على عسل» مع الكويتيين ثم غزاها، ومن أتى بعد صدام لا يختلف كثيرا عنه ودليلهم ما آلت إليه الأمور من ذبح ومذابح وتعذيب وتنكيل وقتل وتهجير داخل العراق نفسه. هذا قدرنا فجيرة العراق «جيرة نمله».

أما المتفائلون من الكويتيين فيقولون إن هذه اعتداءات متفرقة وفردية، وبأن من يقوم بها فعلا هم أنصار صدام من البعثيين وفلول النظام السابق في محاولات لن تتوقف لتخريب المسيرة الديمقراطية العراقية، وتخريب علاقات العراق المستقبلية بكل جيرانه ومحيطه.

لكن الواقعيين يذهبون في تفسيراتهم إلى أبعد من ذلك: الاعتداءات الحدودية العراقية وإن بدت متفرقة إلا أنها مسألة طبيعية في ظل فوضى عارمة يعيشها العراق اليوم، وبأنها مؤشر ضمن مؤشرات عديدة لأخطار العراق الفوضوي القادمة على الكويت وعلى المنطقة برمتها، ويرى هذه الفريق بأن السبيل الوحيد لاحتواء مثل هذه الهجمات وخطر انتشار النار العراقية ومحاصرتها، هو في مساعدة العراق بكافة السبل على النهوض من محنته، فلا سبيل إلى تجنب أخطار العراق القادمة سوى مساعدته على احتواء الفوضى بالتعايش العراقي ـ العراقي، فلا يجب ـ كما يقول الواقعيون ـ أن نتوقع العراق غير المتعايش عراقيا أن يكون متعايشا مع جيرانه بسلام، ولذلك فإن هذه الهجمات المتفرقة والتي لم ينتج عنها خسائر تذكر «بعد»، إنما هي رسائل مبكرة لاستقراء ما قد تؤول إليه الأوضاع في المنطقة إن ترك العراق وشأنه نهبا للبعثيين والإرهابيين والإيرانيين والأغبياء من الأمريكيين.