بعيدا عن البابا: أين الحوار الآخر؟!

TT

يجب علينا التوقف عن إهانة الاسلام. فقد حدث ذلك من قبل. لا يعني ذلك ان على البابا الاعتذار. فقد كان البابا يعامل الاسلام باحترام حسبما رأيت. وكان يعامل الدين الاسلامي والمسلمين على انهم رشداء يمكن تحديهم وإشراكهم. وهذه اشارة للاحترام.

الأمر المهين هي وجهة النظر السياسية الصحيحة لكيفية التعامل مع المسلمين التي تتأصل في المجتمعات الغربية اليوم. وهي كالآتي: اسكت لا تقل أي شيء عن الاسلام! الا تفهم؟ إذا ما قلت أي شيء انتقادي او يثير الشك عن المسلمين، سيحرقون مسكنك. اسكت! اتركهم على ما هم عليه. لا تغضبهم. لا يمكنهم المشاركة في حوار مدني منطقي عن المشاكل التي تواجه الاسلام».

هذا هو المهين. وهو توجه مليء بالاحتقار والرقابة الذاتية، ولكنه توجه الصفوة الغربية اليوم، وهي تساعد على نشوء صدام للحضارات بطيء الحركة الذي تكهن به هنتنغتون. لان الجماهير الغربية لا تقبله. فهم يرون العنف القادم من الجماعات الاسلامية ويثير خوفهم، ولا يعتقدون ان قادتهم يتحدثون بصراحة عنه. ولذا فإن العديد منهم يريدون بناء جدار ضد الاسلام. وسيكون امرا فظيعا لو منعت تركيا من الانضمام للاتحاد الاوروبي، ولكن هذا هو الطريق الذي نتجه اليه، والطريقة الوحيدة لوقف ذلك هو الحوار الصادق.

ولكن ليس الحوار الذي اشار اليه البابا ـ بين الاسلام والمسيحية. هذا ضروري، ولكنه ليس كافيا. الامر الذي نحتاج اليه اولا هو حوار صادق بين المسلمين والمسلمين. فباعتباري شخصا عاش في العالم الاسلامي، واستمتع بصداقة العديد من المسلمين هناك، وشاهدت الجانب الانساني للاسلام، لا بد من الاعتراف بأنني حائر مما يمثله الاسلام اليوم.

لماذا؟ في اليوم الاول من رمضان من العام الماضي نسف سني نفسه في مسجد شيعي، في الحلة في العراق، خلال الصلاة، مما ادى الى مقتل 25 مصليا. والعام الحالي في اليوم الاول من رمضان، قتل انتحاري سني في بغداد 35 شخصا كانوا يقفون في طابور في حي شيعي لشراء الوقود. وفي اليوم ذاته، تم العثور على رؤوس تسعة من رجال الشرطة العراقيين في شمال بغداد. لا استطيع استيعاب ذلك. كيف يمكن للمسلمين قتل مسلمين اخرين في اكثر الأيام قداسة وفي مسجد! ولا يصدر صوت احتجاج واحد في العالم الاسلامي، ولا مسيرة مليون مسلم؟ وبالرغم من ذلك فإن رسم كارتوني دنماركي او خطبة للبابا تؤدي الى احتجاجات عنيفة. واذا كان قتل المسلمين الوحشي للمسلمين ـ في السودان والعراق ومصر وباكستان والاردن ـ يتسبب في رد فعل محدود، بينما رسم كارتوني وتعليقات بابوية تؤدي الى احتجاجات على نطاق واسع، فما الذي يمثله الاسلام اليوم؟ ليس اهانة طرح مثل هذا السؤال. ربما يقول المسلمون: «وماذا عن ابو غريب وغوانتانامو وفلسطين؟ دعونا نتحدث عن كل سلوككم العنيف».

سأرد على ذلك قائلا: «لا مانع، فلنتحدث. ولكن يجب ان تفعلوا مثلما نفعل نحن، لأننا باستمرار نتحدث عن أخطائنا». لن يكون بيننا حوار مثمر اذا لم نمارس النقد الذاتي، هذا ينطبق ايضا على المسلمين.

جزء من مشكلة الحصول على اجابات يكمن في ان لا تراتبية في الاسلام. ليس هناك «بابا» في الاسلام يدافع عن الدين. هناك مراكز للتعليم الاسلامي في بلاد عربية وإسلامية كثيرة، إلا ان درجة مصداقيتها تختلف لدى الناس لأنها دائما ما تعتبر أدوات في يد الأنظمة الحاكمة. الدعاة الحقيقيون محل الثقة هم الذين يمارسون الدعوة وسط الناس العاديين في الشارع ـ الدعاة المهيجون للمشاعر، الذين حصلوا على شرعيتهم من خلال التأليب على الانظمة الحاكمة والقوى الغربية التي تؤيدها.

نتيجة لذلك ظهر كم هائل من المسلمين السنة الذين يشعرون بالحرمان، وهم ليسوا اصوليين يتبنون العنف ولا يريدون ان يصبحوا علمانيين. هؤلاء في واقع الأمر اناس يريدون ان يشهدوا توفيقا بين الاسلام والحداثة، إلا ان مساحة الحرية الآن في العالم الاسلامي السني ـ بين الدعاة المثيرين للمشاعر و«الرسميين ـ محدودة وأقل من ان تناقش او تحدد في إطارها هذه القضية.

كنت آمل في ان تتوفر مساحة الحرية هذه في العراق. اؤيد تماما إجراء حوار بين الاسلام والغرب ولكن يجب اولا ان يكون هناك حوار حر يحترم فيه كل طرف الآخر بين المسلمين انفسهم. الأمر المهم ليس هو ما يقول لنا المسلمون انهم يؤيدونه، وإنما ما يقولونه هم لأنفسهم وبلغتهم. بدون حرب حقيقية للأفكار داخل الإسلام بغرض حل الإشكاليات الموجودة ـ حرب يكسبها التقدميون ـ اخشى ان نضل الطريق باتجاه جدار بين الحضارات، وعلى أسوأ تقدير باتجاه نزاع حقيقي.

*خدمة «نيويورك تايمز»