لتكون محاكمة.. لا مشهدا دراميا فاشلا!

TT

لو لم تكن مشاهد الجلسات الثلاث الأخيرة لمحاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين تبث عبر قنوات إخبارية لربما كان الأمر قد اختلط على من تابعها فظنّ أنه يشاهد لحظات مثيرة في مسلسل رمضاني على إحدى الفضائيات، خصوصاً أن الجلسات هذه كانت في بداية شهر الصوم. الاستعارة هنا ليست للاستخفاف بالمحاكمة ودلالاتها، بل للتأمل في التقاء الركاكة المشهدية بين بعض الأعمال التمثيلية التي تغرق الشاشات في شهر رمضان وبين ما نقلته لنا العدسات بالصورة والصوت وإن بتأخير عشرين دقيقة وهو الوقت الفارق بين المحكمة وبثها تلفزيونياً.

تحولت صور المساءلة القانونية لصدام حسين من توثيق مرأي ومسموع لأول محاكمة لرئيس عربي طاغية إلى مشاهد ضعيفة غير مترابطة يفتقر أبطالها إلى قوة الحجة والحضور. أما القضية الكبرى وهي حقوق الشعب العراقي الذي عانى فظاعات لا حصر لها في عهد صدام وحزب البعث، فلا تبدو أكثر من خلفية درامية لضرورات المشهد الماثل أمامنا، بدليل أن الخبر في نشرات الأنباء والصحف كان السجال بين صدام والقاضي وليس القضية التي يحاكم فيها صدام أو الشهود الذين رووا معاناتهم.

لا شك أن محاكمة شخصية مثل صدام حسين هي أمر بالغ التعقيد. لكن، ولأن الحال كذلك ينبغي إعادة النظر مراراً وتكراراً فيما يراه العراقيون والعرب من خلال بث وقائع المحكمة وفي المعاني التي يجري تكريسها من خلالها.

طرد القاضي محمد العريبي الخليفة المتهم صدام حسين من قاعة المحكمة ثلاث مرات في أقل من أسبوع. كان القاضي حريصاً على إظهار حسمه وسلطته خصوصاً بعد تكرار تغيير القضاة جراء الانتقادات الحادة لضعف أدائهم. بدا الرئيس العراقي السابق متمكناً ومرتاحاً لفكرة مقارعته للقاضي وهو خرج من القاعة مبتسماً بعد طرده. فقد أدرك صدام ومنذ بداية المحاكمة أنه بطل المشهد وبلور أداءه في سبيل تكريس هذا الدور. أما القاضي الخليفة فلم يتمكن من ضبط غضبه الأسبوع الماضي حين احتج المتهمون الآخرون فصرخ بهم «اخرسوا.. ممنوع الكلام».. المحزن أن لا أحد ممن شاهد الجلسات الأخيرة هذه يذكر شيئاً عن الشهود أو عن القضية محور المحاكمة وهي قضية حملات الأنفال التي أسفرت في العام 1988 عن مقتل حوالي مائة ألف كردي وتدمير ثلاثة آلاف قرية وتهجير الآلاف، وهي واحدة من القضايا التي يحاكم فيها صدام حسين.

مشاهد محاكمة طاغية العراق السابق خصوصاً الأخيرة منها لا تقدم نموذجاً مفيداً لمعنى العدالة المنشودة. ليست القضية هنا التعاطف مع صدام حسين.. إنها مسألة حق وقانون وجدية يحتاجها العراقيون قبل غيرهم. فإشعار العراقيين أنهم نجوا من صدام وأساليبه لا يكون باعتماد الأسلوب نفسه وإن كان في الأمر بعض المبالغة. لكن ما ليس هناك مبالغة فيه هو أن محاكمة صدام باتت أقرب لأن تكون طقساً ثأرياً محلياً وهو أمر لا يخدم الحقيقة، وحتماً لن يداوي جروح ضحايا العراق.

diana@ asharqalawsat.com