«المستشرقون»

TT

كتب احد الصحافيين مرة متحدثاً باسم سلالة الفاتحين، يهيب الدليل السياحي في الاندلس ان يدرس التاريخ جيداً وان يكف عن التزوير في حق أجداده (أجداد الصحافي المشار اليه).

ماذا تفهم عندما تقرأ هذه الفقرة الافتتاحية البطولية من مطالعة الصحافي المذكور، الذي كاد يستعيد غرناطة في الفقرة الثالثة من المندب، لولا انه كان منهمكاً في قضايا قومية اكثر إلحاحاً وأهمية؟ إذا كنت قد وطأت الاندلس واصغيت الى اي من ادلائه، في اي من مدنه ومساجده وقلاعه، تفهم ان المذكور لم يطأ الاندلس ولا حتى حلّق في اجواء اسبانيا، في طريقه من مكان الى مكان. ذلك ان الدليل الاسباني في الاندلس، يردد بكل اللغات المتداولة للسياح والزائرين، لازمة لا تتغير ولا تعدّل، وهي ان العرب كانوا أسياد الحضارة فيما كان الاوروبيون اهل مستنقعات وجهل وتخلف.

تخلو الحياة الاكاديمية العربية، للاسف، من مكتبة قد تثري حياتنا ومعارفنا على نحو يصعب قياسه وتقديره. اي تلك المؤلفات التاريخية واللغوية والحضارية، التي وضعها عشرات المفكرين والباحثين الغربيين عن العرب والتراث. وقد تعلمنا ان ننفر من اعمال المستشرقين لأن الاكاديميين عندنا لم يهتموا الا بالجانب الرديء من الابحاث. واختار هؤلاء المشهورين من المشهّرين لكي يبنوا على اعمالهم تاريخاً مشوهاً واستنسابياً لعملية الاستشراق او الاستعراب. في حين ان كثيرين من الالمان والفرنسيين وخصوصاً البريطانيين، بذلوا جهودا مضنية في تعلم العربية، غالباً على انفسهم، لأنه حتى منتصف القرن الماضي لم يكن هناك بعد قاموس عربي لائق. ولعل اول محاولة كانت المانية.

ولست ادري الى أي مدى افاد ادوارد سعيد مضامين هذه المسألة في كتابه «الاستشراق» الذي انطلق فيه من امثلة سيئة ومتفق عليها، دون اي محاولة لإلقاء نظرة سريعة على عدد كبير من اولئك الذين امضوا شبابهم وكهولتهم وشيخوختهم في طلب معرفة الاسلام والعرب، انطلق ادوارد سعيد من اعمال المؤرخ العراقي الاصل ايلي خدوري، الذي كان موضع جدل في الغرب، في اي حال. ومن برنارد لويس. ومن المصري اليوناني الاصل بنايوتيس فايتكيوتيس، الذي كان غير ذي شعبية وغير ذي شأن. وبسبب مكانة ادوارد سعيد الاكاديمية والوطنية، اتبعناه دون نقاش. وهي عادة تجوز في عقلية الاستعماء السائد، لكنها لا تجوز في العلم ولا في مناقشة حقائق التاريخ. وقد صدر هذا العام كتابان في مناقشة «المستشرقون». اولهما، في تقديري، ضعيف. والثاني «شبق المعرفة: المستشرقون وأعداؤهم» لروبرت اروين، يفيدنا على الاقل في تعداد اولئك الذين شغفهم الاسلام والتراث واللغة العربية. كما يعدد مناهضي تلك المعرفة واهدافهم وعملهم المأجور للدول. وسوف تظل قضية «المستشرقين» مطروحة. طبعا في الغرب. اما نحن فلا علم ولا خبر. ولا هموم.