لماذا خذلت قطر العرب في الأمم المتحدة؟!

TT

لن تكون هذه العاصفة هي العاصفة الأخيرة، فخروج قطر على الإجماع العربي ووقوفها، وليس تصويتها فقط ، الى جانب مرشح كوريا الجنوبية على حساب ما كانت اتفقت عليه كل الدول العربية بترشيح الأمير زيد بن رعد لمنصب الامين العام للأمم المتحدة سيتكرر. فهذه الدولة الشقيقة دأبت ومنذ بضعة أعوام مضت على اتخاذ مواقف مثيرة للاستغراب والاستهجان وعلى إدارة الظهر وبطريقة استفزازية لكل ما يجمع عليه العرب إن على الصعيد الإقليمي وإن في الدائرة الدولية.

اتفقت الدول العربية كلها وبما فيها قطر على اعتبار مندوب الأردن الدائم في الأمم المتحدة الامير زيد بن رعد مرشحاً عربياً لمنصب الأمين العام خلفاً للأمين العام الحالي كوفي عنان الذي اقتربت نهاية ولايته، وكان المفترض ان ينقل المندوب القطري، باعتباره ممثلاً للدول العربية كلها في مجلس الأمن الدولي للدورة الحالية هذا التوجه الى هذا المجلس وأن يدافع عنه بكل قوة . لكن ما حصل ان المندوب القطري، الذي يمثل الكتلة العربية في مجلس الأمن الدولي، فاجأ الجميع في أول اجتماع تمهيدي لانتخاب الأمين العام الجديد للأمم المتحدة وهو الاجتماع الذي انعقد يوم الخميس الماضي ليس فقط بعدم التصويت للمرشح العربي والمرشح الإسلامي أيضاً الأمير زيد بن رعد وإنما أيضاً بالقيام بأنشطة واتصالات جانبية لحساب المرشح المنافس وهو مرشح كوريا الجنوبية المتبنى من قبل أميركا الأميركية. وفُهم هذا التصرف من قبل الدول العربية، إن لم يكن كلها فمعظمها، على أنه ليس خروجاً على الاجماع العربي وعلى التوجه الإسلامي وحسب، بل هو أيضاً خيانة لأمانة أؤتمن عليها المندوب القطري الذي هو وفقاً للأعراف المتبعة لا يمثل دولته فقط وإنما يمثل خلال هذه الدورة الحالية لمجلس الأمن الدولي العرب كلهم ولذلك وعلى هذا الأساس فإن تصرفه إزاء موضوع انتخاب أمين عام جديد وإزاء أية مسألة أخرى تم بشأنها إجماع عربي كان يجب ألا يكون لا فردياً ولا مزاجياً ولا يعبر عن رغبة دولته فقط .

لم يوضح المندوب القطري لأعضاء مجلس الأمن الدائمين والمؤقتين الآخرين أن تأييده للمرشح الكوري الجنوبي لا يمثل الكتلة العربية وإنما يمثل دولة قطر وحدها وهذا ما جعل هؤلاء المندوبين يظنون ان هناك تغييراً في الموقف العربي وأن العرب تخلوا عن ترشيح الأمير الأردني زيد بن رعد وأنهم ، بما ان مندوب قطر الذي يمثلهم جميعهم، باتوا يؤيدون المرشح الآسيوي الآخر ولذلك فقد اتخذت المواقف وجرى التصويت في الانتخابات التمهيدية والانتخابات التي تبعتها مساء يوم الثلاثاء الماضي على هذا الأساس.

وإزاء هذا الموقف المستهجن والمستغرب الذي اتخذه مندوب قطر خلافاً لما أجمع عليه العرب وأيدته الدول الإسلامية فإن البعض اعتبر ان الأمر مجرد مناكفة تنسجم مع سعي قطر المستمر الى الظهور بمظهر الدولة الأكبر من حجمها كثيراً والتي لا تنضبط لأي معادلة إقليمية حتى وإن كانت هي نفسها جزءا من هذه المعادلة.

الحقيقة أن قطر بالإضافة الى لعب دور الخروف الأسود المناكف في القطيع كله أرادت بهذا الموقف الذي اتخذته، على حساب الإجماع العربي وعلى حساب التوجه الإسلامي، أن تتقدم بشهادة حسن سلوك الى أميركا وبخاصة بعد قيامها بالتمثيلية التي قامت بها خلال الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل حيث أعلنت انحيازاً فاقعاً الى «فسطاط» الممانعة وحلف الضاحية الجنوبية من بيروت مع سوريا وإيران، وهذا ما جعل الرئيس السوري يصفها في مقابلة تلفزيونية بأنها تحظى بالمصداقية.

ربما ان قطر، التي بدأت تسعى للعب دور أكبر من حجمها بكثير من خلال القفز بطريقة بهلوانية فوق حبال تناقضات هذه المنطقة وتعارضاتها، قد اتفقت سلفاً مع أميركا على مثل هذا الدور المرتفع السقف للتغطية على فتح أبوابها للقواعد الأميركية وللتغطية على علاقاتها المتميزة مع إسرائيل على حساب القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين.

لكن ورغم هذا الاتفاق المسبق فإن الواضح ان أميركا أزعجها ان تقوم قطر بما قامت به على هامش الحرب الأخيرة التي اعتبرت على أنها حرب بين أميركا وإسرائيل من جهة وبين إيران وسوريا وحزب الله من جهة أخرى وهذا ما دفع الدبلوماسية القطرية الى ان تقف هذا الموقف الذي وقفته في مجلس الأمن الدولي وعلى حساب الرغبة العربية والإجماع العربي وذلك لتأكيد الولاء والطاعة وإثبات حسن السلوك للمعلم الأكبر الذي هو الإدارة الأميركية.

إن كل هذه الأدوار البهلوانية التي تقوم بها قطر من تحويل الدوحة الى ملجأ لرموز التطرف والعنف في هذه المنطقة الى رفع نبرة اللهجة «الجهادية» من خلال محطة الجزيرة الى منح الشيخ يوسف القرضاوي الجنسية القطرية الى اعتمار عمامة مرشد الثورة الإيرانية، الى التلويح عالياً بشعار: «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، الى تبني «النصر الإلهي» الذي أحرزه حسن نصرالله في الحرب الأخيرة.. إن كل هذه الأدوار بهدف ذرِّ الرماد في عيون البسطاء العرب وإشعار الطيبين من أبناء الشعب القطري بأنهم يسيرون على الطريق الصحيح رغم وجود قواعد العديد والسيلية، ورغم مكتب المصالح الإسرائيلية الذي هو أكبر من أكبر سفارة في العاصمة القطرية.

هذه الأمور غدت مكشوفة ومعروفة وغير خافية حتى على أصحاب أنصاف العقول، لكن يبدو ان الأميركيين والإسرائيليين شعروا بأن قطر زادت «الدوَّز» كثيراً بالنسبة للألاعيب البهلوانية التي نفذتها خلال الحرب الأخيرة، ويبدو ان ربَّان الدبلوماسية القطرية قد شعر بهذا الشعور، فكان لابد من إثبات حسن السلوك باتخاذ الموقف الذي اتخذه المندوب القطري، وخلافاً لقرار الإجماع العربي والرغبة الإسلامية.

فهل يا ترى ستستطيع قطر الاستمرار بهذه الألاعيب الاكروباتية ـ البهلوانية والاستمرار بخداع الأميركيين والإيرانيين والسوريين والإسرائيليين والفلسطينيين، أم أنها ستسقط في لحظة من اللحظات السقطة القاتلة القاضية..؟!.

المثل يقول إنه بالإمكان الضحك على ذقون الناس وخداعهم بعض الوقت، لكنه ليس بالإمكان الضحك على ذقون هؤلاء وخداعهم كل الوقت، فالشقيقة قطر تلعب لعبة خطرة أكبر من حجمها بكثير وهي بوضع نفسها بين هذه الصراعات والاستقطابات الدولية والإقليمية الطاحنة الكبرى تشبه من يضع نفسه فوق حلبة أفيال تتقاتل .. إنه قد يسلم لبعض الوقت لكنه في النهاية سينتهي «دعساً» تحت الأقدام الكبيرة والثقيلة.

إن قطر تعتقد انها قادرة على خداع آيات الله العظمى في طهران وأنها تستطيع من خلال هذا التملق الزائد عن كل الحدود الاستمرار بلعب هذا الدور المزدوج بين الإيرانيين والأميركيين. لكن ما عليها ان تتذكر الآن وقد اشتد الصدام في هذه المنطقة، ان محمود أحمدي نجَّاد هدّد أميرها في آخر زيارة له الى الجمهورية الإسلامية: «إن أول صاروخ ستطلقه إيران إذا وقع اعتداء أميركي عليها ستكون وجهته الى الدوحة حيث القواعد الأميركية».

لن تستطيع الدبلوماسية القطرية الاستمرار بهذه اللعبة الخطرة حيث يُقال في الغرف المغلقة لرئيس عربي زار الدوحة قبل أيام ان مصير قطر مرتبط بمصير أمتها العربية وان إيران عدوٌّ لا يمكن الاطمئنان إليه وفي الوقت نفسه تستمر الألاعيب البهلوانية ويستمر الحداء في ركب «فسطاط» الممانعة ويتواصل دفع «الفواتير» السياسية للولايات المتحدة الأميركية وآخر فاتورة هي التصويت ضد المرشح العربي لخلافة الأمين العام الحالي للمنظمة الدولية. الآن بدأت أضلاع المعادلة الإقليمية والدولية تزداد ضغطاً والآن باتت لحظة فرز الألوان تقترب فأمِّا أسود وإما أبيض، إما في هذا الاتجاه أو ذاك وإما ان تبقى قطر تضع رِجْلاً في الكنيست الإسرائيلي ورِجْلاً أخرى عند خالد مشعل في دمشق وتضع فوق رأسها عمامة مرشد الثورة الإيرانية وفي الوقت ذاته تضع «برنيطة» جورج بوش فإن هذا غير ممكن وهنا وإذا أراد الأشقاء القطريون ان يتأكدوا من هذه الحقيقة فإن عليهم ان يذهبوا الى العقيد معمر القذافي صاحب أول كتاب أخضر ومبْدع أول جماهيرية في الكرة الأرضية ليسألوه عن سبب تحوله من النقيض الى النقيض ! .