مأساة المدينة العجوز

TT

كشفت المراصد الخاصة بقياس التلوث البيئي والمائي خطورة الوضع البيئي على المواطنين في مدينة جدة، واعترف وكيل أمين محافظة جدة المهندس خالد عقيل للصحافة، بأن نتائج الدراسات والقراءات للمراصد البيئية سجلت وجود تلوث «غير متوقع» في ما يتعلق بتلوث الهواء أو التلوث البيئي بشكل عام، بينما أرجع وكيل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة الدكتور أحمد عاشور مسؤولية التلوث لمخالفات تقوم بها بعض الإدارات الحكومية، كبعض محطات معالجة الصرف الصحي وأدخنة ماكينات تحلية المياه وعوادم السيارات والمدن الصناعية وحرائق النفايات التي تقوم بها الأمانة، كما أرجع التلوث البحري إلى الصرف الصحي ومرادم النفايات.

وقد أدهشني قول وكيل أمانة جدة إن هذا التلوث «غير متوقع»، فالمفروض أن يكون على يقين من وجود هذا التلوث، بحكم موقعه الوظيفي حتى من قبل أن تستعين الأمانة بأجهزة الرصد الخاصة بها، فلقد سبقت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة الجميع في معرفة هذا التلوث، ثم أن واقع هذه المخالفات المسببة لهذا التلوث، التي تتحمل أمانة المدينة جزءا كبيرا من مسؤوليته، لا بد أن تقود إلى هذه النتيجة.

ويأتي موضوع التلوث هذا ليكمل مسلسل مأساة هذه المدينة العجوز، التي غدت تعاني من حمى الضنك وأزمة المياه والصرف الصحي والاختناقات المرورية والأحياء العشوائية، فلقد تكالبت عليها المحن من كل صوب، وأطبقت عليها المشكلات من كل جانب.. وما يحزن في الأمر أن جدة كانت لقبل عقود بسيطة المدينة الأكثر تطورا والأسرع حداثة، ولكن بقاء الحال من المحال، فلقد مرت على هذه المدينة سنوات عجاف ذهبت بتميز السنين وسبق الزمن، وغدت هذه المدينة تحلم باللحاق بمدن تدفقت في شرايينها المياه، وانساب في فضاءاتها الهواء نقيا.

ومع هذا فلقد تعلم سكان جدة ـ أم الرخاء والشدة ـ من سيكولوجية المد والجزر، أن يكونوا دائما في انتظار الفرح، وأنا على ثقة بأن هذه المدينة الذي يمتد تاريخها إلى مئات السنين لها الكثير من خصائص طائر الفينيق الأسطوري، الذي يعاود التحليق في كل مرة يظن فيها أنه لن يعود، ولنا في قيادة هذا الوطن الثقة بأن تمنح هذه المدينة التي من أهم ألقابها «بوابة الحرمين الشريفين»، ما تستحقه من اهتمام لمعالجة أوجاعها وبرء جراحها، فلعلها تعود ـ رغم تجاعيد الزمن ـ عروسا للبحر كما تعودت أن تكون.

[email protected]