كفاحه

TT

قرأت كتاب «كفاحي» لأدولف هتلر وأنا يافع. ثم قرأته شاباً. ثم اكتفيت. واعتقدت انها اضاعة للوقت ان يقرأ الانسان، حتى لكسر الملل، رجلاً دمر المانيا بحجة نصرها، وأذل «الشعب الجرماني» بداعي اعلاء شأنه، ووسع الهوة بين النمسا والمانيا بسبب مشروعه (الانشلوس) لتوحيدهما. اما الضرر الذي ألحقه بالشعوب والبلدان الاخرى، من اوروبا الى روسيا، فلا حدود له.

عدت الى قراءة «كفاحي» (يا له من عنوان متواضع) قبل ايام ليس من اجل العودة الى هتلر وفكره بل لكي اتساءل كيف يمكن لشعب مثل الشعب الالماني، شعب الفلاسفة والموسيقى والفكر الجدلي والاختراع والصناعة، ان يتبع رجلاً سقيماً مملاً فظاً في سعيه لإقامة «الدولة العنصرية» وتفوق «العرق الآري» و«تنظيف» الارض من المعوقين وذوي الخلقة غير المكتملة؟ كيف اتبع الالمان حتى الموت رجلاً يقول انه «لا يمكن لنصف قرد (اي لملون) ان يصبح طبيباً»؟ كيف اتبع الالمان، جماعات لا تحصى، رجلاً ينادي بأن المساواة بين البشر كفر ماركسي؟ كيف تقبل الالمان الفكر العنصري القائل بأن الحياة والمجد للنخب والهلاك للجماهير والعامة؟ كيف قرأ الألمان خطابه القائل بأن «على الدولة ان تفرض شروطاً تتعلق بالإنجاب مفادها ان الكائنات التي يتم انجابها يجب ان تمجّد صورة الخالق وتكون سليمة ومعافاة».

استأذنكم، وأرجو سماحكم، في التالي: دعانا وزير خارجية المغرب الاستاذ محمد بن عيسى الى العشاء في منزله خلال تجمعات اصيلة. ووقف بين ضيوفه في المنزل الاثري وقال لزوجته: «ماذا افعل كل صباح». وتساءلت السيدة العذبة: «ماذا تقصد يا سي محمد». فقال: «ماذا اقرأ لكِ كل صباح». وارتبكت السيدة العذبة وقالت في حياء «مقال الضيف...». وتطلع اليَّ الوزير الذي اتعرف اليه للمرة الاولى، وسألني امام ضيوفه: «بربك، هل سمعت اطراء اجمل من هذا في حياتك». وأصرّ على الجواب. وقال السامعون: «لا تكن جباناً. هل هناك اجمل من ان يقرأ وزير خارجية دولة عربية كبرى لزوجته كل صباح مقال كاتب ما».

قلت للوزير العزيز المتكرّم: «هناك فقط اطراء واحد اشعر انني لن ألقى ما بعده. ذات مساء نزلت في مطار دبي ورأيت شاباً وسيماً على كرسي متحرك تدفعه شقيقتاه. وعندما رآني هبَّ يحاول الوقوف، وأدركت فاقتربت منه فاحنى رقبتي وقبلني في جبيني. ومنذ أمي لم اتذوق قبلة أكثر حناناً».

طلبت سماحكم في رواية ذلك، لأشرح لكم ماذا شعرت وأنا اعيد قراءة ادولف هتلر، ذلك المعاق الاشهر الذي طالب بإبادة المعاقين.