سورية والسعودية والسفارة الأميركية

TT

بحسب الرواية التي صدرت من دمشق عن الهجوم الذي نفذ ضد السفارة الاميركية في الصيف الماضي، فان الاربعة الفاعلين دربوا ووجهوا من داخل السعودية، وانهم ضحية الخطب الدينية الحماسية هناك.

ومن المحتمل ان يكون الاربعة بالفعل جاءوا من السعودية، وخطط لهم ومولوا أيضا من داخل السعودية، فالإرهاب لم يعد له حدود أو جنسية. لكن الرواية السورية ضعيفة جدا منذ أول يوم، وما سبقها من روايات عن أشباح أو قتلى وتحقيقات في الظلام، عدا عن ان العمليات تطرح من الاسئلة اكثر مما تجيب عليها. تبدو كأنها مجرد تصفية حسابات سياسية، على اعتبار ان دمشق على خلاف مع الرياض.

ايضا، السلطات السورية رفضت ان تسمح لأي طرف بالمشاركة او حضور التحقيقات، وبالتالي لا توجد سوى رواية واحدة، هي الرواية الرسمية، وهي في الظروف الحالية حكاية بلا مصداقية ومليئة بالثقوب. فالأربعة دخلوا حيا راقيا ومراقبا بشدة في مدينة تعرف بأنها اكثر مدن العالم صرامة في الرقابة وفي متابعاتها الأمنية. أيضا كل ما فعله الارهابيون ان هاجموا السفارة من وراء الاسوار، ليقتلوا جميعا في المواجهة مع الأمن وكأنها خططت لتتم في الشارع.

مرة أخرى لا بد من الافتراض بصحة الرواية بتفاصيلها المعلنة رسميا، خاصة ان استهداف السفارات الاميركية أمر مألوف من قبل الجماعات المسلحة، لكن اليس غريبا ان يتم في سورية التي تراها هذه الجماعات خارج الملة، كما تكفر بقية الحكومات العربية، وتلومها لأنها خارج المواجهة مع اسرائيل؟ .

وكل المواجهات المسجلة الماضية لم تقنع احدا بصحتها، حيث ان معظمها تمت في بيوت مهجورة. وفي هذه المرة يعلن التقرير الحكومي ان المجموعة الارهابية لم تكن مرتبطة بالقاعدة او اي تنظيم آخر، فكيف يستقيم هذا مع ان التقرير يذكر ان الجماعة خططت للعملية منذ عامين؟ كيف تكون آنية من غضبة نفسية وفي نفس الوقت مرتبة ومجهزة منذ سنتين وثلاثة من الاربعة وهم من عائلة واحدة خططوا لها في السعودية، وهي التي فيها سفارة اميركية وقنصلية أكبر من تلك التي في ابو رمانة؟

نحن أمام احتمالين: إما ان قصة ابورمانة مفبركة مثل قصة ابوعدس الشهيرة التي روج لها لتفسير اغتيال الحريري، والتي لم يصدقها أحد. وهنا يكون الاربعة قد راحوا ضحية مواجهة مفتعلة للتأكيد على ان سورية تعاني هي الأخرى من الارهاب، وليست متورطة فيه كما تتهم من قبل الاميركيين وبقية دول المنطقة. او انها قصة حقيقية وتفسيرها أسوأ بان الجدار السوري سقط، وصارت دمشق مثل بعض العواصم العربية الأخرى التي تفشت فيها فرق الموت والتدمير المرتبطة تنظيميا او روحيا بالقاعدة. اي اننا امام نهاية وضع مّيز سورية منذ اواخر السبعينات انها الدولة الاكثر قدرة امنيا وراهنت الدول على دمشق بسببه.

[email protected]