شجون نفطية

TT

أسعار البترول مستمرة في الهبوط بشكل متواصل وذلك لفترة غير قليلة، وحتى الآن يبدو أن فقاعة ارتفاع الأسعار الغير منتهية قد كتب لها أن تنفس الهواء وتتقلص تدريجيا. ولعل أبرز سؤال اقتصادي مباشر يستوجب الوقوف أمامه بتمعن وعمق هو: هل كانت النظرية الشهيرة (المتعلقة بأن نهم الصين والهند للنفط لا حدود له على المدى القريب والمتوسط) هل كانت هذه النظرية خاطئة ومبالغا فيها ؟ وهل تم بناء خطط تسعيرية وانتاجية على واقع مغاير؟

هذه الفرضيات يجري بحثها والتدارس فيها اليوم في أروقة شركات النفط ووزارات البترول والمكاتب البحثية المتخصصة في هذه السلعة المحورية. وليست هذه الفرضيات وحدها هي التي تستحوذ على الاهتمام، ولكن أيضا هناك إعادة نظر في دور النفط على الساحة السياسية في ظل واقع متغير وسيطرة فعلية وهيمنة لقطب واحد. ولكن سلعة النفط نفسها دخل عليها الاضطراب السياسي بعنف وظهرت شخصيات وانظمة غير مستساغة بالنسبة للادارة الامريكية الحالية، ولعل أبرز هذه الشخصيات هما هوغو شافيز رئيس فنزويلا، البلد النفطي المؤثر، وايضا لا يمكن نسيان ايران ورئيسها أحمدي نجاد ، مع عدم اغفال الوضع المضطرب والذي يزداد تعقيدا في العراق ويغيبه عن ساحة الانتاج النفطي الفاعل والمؤثر.

كل ذلك كان من شأنه أن يعقد الوضع ويزيد من ازمته خصوصا في ما يتعلق بالجانب السعري للنفط ، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث بل العكس تماما. هناك حديث غير بسيط عن انتهاء الحفلة النفطية الكبيره، وأن هناك دورا جديدا ينتظر سلعة النفط، والشركات العملاقة نفسها تمر بمرحلة دقيقة لاعادة مركزة نفسها كشركات طاقة وليس فقط شركات بترول، وأمريكا المستهلك الأهم للنفط تسعى لتوسيع قدراتها التخزينية والتكريرية، اضافة لحرصها على منح نفسها وشركاتها القدرة التنافسية للتنقيب في الداخل الامريكي من جديد . كل هذه الاسباب مجتمعة، مع وجود ادارة أمريكية يأتي أهم رموزها من خلفية نفطية معروفة، تؤكد أن هناك مناخا نفطيا جديدا يتم تشكيله، وأن معدلات أسعار البرميل العالية قد رحلت بلا عودة، مع عدم اغفال رغبات البنوك المركزية حول العالم في أسعار منخفضة نظرا لأن ذلك سيبقي شبح التضخم بعيدا. ولكن التاريخ ودورانه يوضحان أن الخريف دائما ما يشهد هبوطا في أسعار النفط بعد استهلاك فصل الصيف القياسي، والذي يتأثر بالسفر والتنقل كموسم أساسي لذلك، وقبل فصل الشتاء الذي يشهد استهلاكا عاليا في استخدام التدفئة، وقد يكون أحد الأسباب التي ساهمت في هبوط الأسعار، هو عدم «تفاقم» الأزمة مع ايران في ما يتعلق بملفها النووي المعقد وعدم حصول أي نوع من العقوبات الدولية للآن، اضافة الى سلامة موسم الأعاصير السنوي هذا الصيف وانقضائه بدون خسائر تذكر.

كل هذه العناصر تؤكد أن البترول كسلعة يشهد ولادة ومخاضا جديدا، من شأنها أن تعيد خلط الأوراق للمنتجين والمستهلكين بشكل جديد ومختلف.