بالانتقاب ممنوع الاقتراب..!

TT

لم أتصور أن الساسة البريطانيين سيدخلون منافسين للأزواج المسلمين في بريطانيا، إلا عندما طلب (جاك سترو) وزير الداخلية والخارجية البريطاني الأسبق وعضو البرلمان البريطاني، من السيدات المسلمات المنتقبات في دائرته الانتخابية أن يكشفن وجوههن له!!! وقد انتقد (سترو) ارتداء السيدات المسلمات للنقاب، في مقالة كتبها في صحيفة «لانكاشاير تليغراف» البريطانية، وقال إن النقاب «تعبير مرئي للاختلاف والتفرقة»، وعبر عن قلقه من العوائق الاجتماعية التي قد يفرضها النقاب قائلاً إن ارتداء النقاب سيجعل من العلاقات بين المجتمعين أكثر صعوبة.

جاك سترو بهدوئه ودهائه يمثل الشخصية الانجليزية التقليدية، وقد تعرفت عليه عندما كنت أعمل في المركز الإسلامي في لندن، والتقيته مرات عديدة في أواخر التسعينات، وقد لاحظت من لقاءاتي العامة والخاصة به، الأثر الإيجابي الذي تركته علاقاته الجيدة بالجالية المسلمة في دائرته الانتخابية (بلاكبيرن)، فهو من أكثر الساسة البريطانيين معرفة بأحوال مسلمي بريطانيا، بل كان له دور بارز في كسر الحظر الحكومي البريطاني الطويل، عن دعم المدارس الإسلامية أسوة بالمدارس النصرانية واليهودية، إذا فخبرته الطويلة بالجالية الإسلامية وعلاقته الجيدة بالكثير من قادتها تجعل من تصريحاته الأخيرة حول النقاب تثير أكثر من علامة استفهام!!

أنا أدرك من واقع المعايشة والتجربة أن النقاب في المجتمعات الغربية، أمر في أقل أحواله لافت شديد للانتباه، وأعرف أن الكثير من الغربيين يمتعضون من مشهد المرأة المنقبة ولا يتفهمون لماذا تغطي وجهها، ولكن الذي لا يمكن هضمه ولا فهمه أن شخصية سياسية بارزة في وزن (جاك سترو)، تجعل من شعيرة دينية يؤمن بها الكثير من المسلمين على أنها مظهر للاختلاف والفرقة، وليس من المقبول أبدا أن تدرج مقالة (سترو) تحت الرأي لأنها علاوة على أنها تعترض على الحريات الشخصية التي كفلها القانون، فإنها أيضا تمس وبصورة استفزازية معتقدا دينيا والمعتقدات الدينية ليست قابلة للجدل والنقاش ناهيك أن يظهرها القادة السياسيون على أنها سبب للخلاف وتفريق الصف، إذ لو كان الأمر كذلك لكانت العمامة والثوب أيضا سببا للاختلاف والفرقة، وهذا أيضا سينسحب بالضرورة على القبعة السوداء التي يعتمرها اليهود المتدينون وقل نفس الشيء على لباس الراهبات المسيحيات، ولهذا وصف رئيس القسم السياسي بحزب المحافظين أوليفر ليتوين مقالة (سترو) حول النقاب بـ«المبدأ الخطير لإرشاد الناس في كيفية ملبسهم»، وإن كان هذا التعليق في ظني لا يخرج أيضا عن إطار المناكفة السياسية لحزب منافس.

يصعب علي أن أفصل بين مقالة (سترو) السياسي الهادئ المعتق الذي يدرك جيدا أبعاد كلامه في شأن ديني حساس وبين سلسلة الغمز واللمز في الدين الإسلامي، التي اجتاحت أوروبا مؤخرا: ومنها الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية والتصريحات البابوية في ألمانيا وآخرها وأسوأها الحفل الذي أقامته منظمة الشبيبة التابعة لحزب الشعب الدنماركي  لرسم ما وصفته بـ«أبشع صورة» للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث تنص المسابقة التي أقيمت في الحفل، على أن من يخسر فيها يرتدي «نقابا» إمعانا في السخرية بالإسلام وتعاليمه.

كان على (سترو) بدل أن «يكشف النقاب» عن وجوه المسلمات البريطانيات في دائرته الانتخابية أن «يكشف النقاب» عن تحرك أوروبي ضد الحملة العدائية المتنامية في الغرب ضد الإسلام والجاليات الإسلامية، فهذا من شأنه أن ينزع فتيل التوتر في أوروبا ويجعل الأوربيين يعيشون بسلام ووئام مع جالية إسلامية، صارت قدرا على أوروبا بحجابها ونقابها وعاداتها يجب عليهم أن يؤمنوا به، كما يؤمن المسلمون بالقدر خيره وشره.

[email protected]