إصرار أميركي على ضبط الحدود اللبنانية ـ السورية

TT

يشتكي بعض السياسيين اللبنانيين من ان عضو الكونغرس الاميركي توم لانتوس لا يزال يمنع وصول المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة الى لبنان بعد انتهاءالحرب الاخيرة، والسبب انه يترأس اللجنة المالية في الكونغرس، التي ترفض صرف الاموال من دون شروط محددة. ويستقبل لانتوس عدداً من المسؤولين اللبنانيين يدعونه الى ضرورة ان تكون الولايات المتحدة «مثالاً أعلى في العطاء»، لكنه قال لي في واشنطن «ان هدفي هو تقوية استقلال لبنان وسيادته، وعندما التقيت رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، ووزير الدفاع الياس المر، ومسوؤلين آخرين ابلغتهم عن سعادتي كون لبنان صار يتمتع بالحرية والاستقلال اكثر مما كان الامر عليه في ظل السيطرة السورية. أنا مرتاح لأن الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية صارت تقريباً آمنة، وكذلك شاطئ المتوسط، لكن لا تزال هناك فجوة على الحدود اللبنانية ـ السورية، واذا لم يتم اغلاق تلك الفجوة لمنع تهريب الاسلحة، فان حرباً جديدة يقوم بها «حزب الله» ستنشب عاجلاً او آجلاً".

ويضيف لانتوس «يحاول المسؤولون اللبنانيون اقناعي بأن الجيش اللبناني يستطيع ان يسيطر على تلك الحدود، واخبروني عن تبادل لاطلاق النار يقع بين الحين والآخر على الحدود ما بين الجيش ومهربي الأسلحة. انا اعتقد بصدق، ان لبنان بعد تلك الحرب المأساوية، وبعد العدد الكبير من الضحايا الذي سقط والممتلكات التي تدمرت، يتمتع بفرصة لاعادة بناء استقلاله، لأن العالم المتحضر اظهر كم يتعاطف مع ذلك البلد، لكن على القيادة اللبنانية ان تتحمل مسؤوليتها لمنع تهريب الاسلحة الى «حزب الله». لذلك، فان موقفي المنطلق من وقوفي الى جانب لبنان يوفر الفرصة امام الحكومة اللبنانية كي تقول: انها تريد مساعدات اميركية، ومساعدات عسكرية، وهذه لن تصل الا اذا أُغلقت تلك الحدود في وجه التهريب. لذلك، سألنا الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان كي ينشر قوات دولية على الحدود، وكوفي صديق مقرب مني، يستطيع ان ينشر القوات الدولية خلال 24 ساعة».

وكانت الادارة الاميركية اعلنت عن تبرعها بمبلغ 230 مليون دولار يصار الى ايصاله على دفعات. اما مطالبة المسؤولين اللبنانيين فتتعلق بمبلغ 25 مليون دولار. ويأتي رد لانتوس عليهم، بان ممانعته في الافراج عن هذا المبلغ منطلقة من رغبته في رؤية لبنان مستقلاً، في ظل حكومة متحكمة بمصيرها، وان يكون الجيش اللبناني الطرف المسلح الوحيد في لبنان.

ويرفض لانتوس واقع التحدي الذي تفرضه ايران اذا ما اصّرت على تسليح وتمويل حزب الله في وجه الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة لتقدم المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، يقول: «انا مسؤول فقط عن توضيح وجهات نظري في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الاميركية. انا لا ادير السياسة الايرانية احمدي نجاد يفعل ذلك» ثم يضيف: «اللافت ان رئيس الوزراء ووزير الدفاع اللبنانيين ابلغاني ان الجيش اللبناني ضعيف، ثم يقولان: ان الجيش سيشرف على الحدود اللبنانية ـ السورية. لذلك، وبما ان الجيش اللبناني لا يزال ضعيفاً، فهو يحتاج الى تدعيمه بقوات دولية»". ويضيف توم لانتوس «انني اتعاطف بعمق مع الزعماء السياسيين اللبنانيين بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وانني اعرف خوفهم من التعرض للاغتيال والتفجيرات. ولا يمكن ان يقوم بهذه التفجيرات الفرنسيون مثلاً او الايطاليون». ويقول «ان على الشعب اللبناني والحكومة اللبنانية ان يدركوا اننا واقعيون برغبتنا في اغلاق تلك الفجوة على الحدود السورية، لأن استمرارها هو بمثابة دعوة الى جولة جديدة من الحرب. تذّكروا ان 1300 انسان قتلوا... وربما تذكرين انه في شهر ايار (مايو) 2001 كنت وراء صدور قرار يتعلق بالمساعدات الخارجية، واستثنينا لبنان منه، ما لم ينتشر الجيش اللبناني على طول الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلة. ولو وافق لبنان في حينه على ذلك لما وقعت الحرب الاخيرة».

ويؤكد عضو الكونغرس توم لانتوس على ان المساعدات الاميركية لن تصل الى لبنان، اذا قالت الحكومة اللبنانية انها غير قادرة على نشر قوات دولية على الحدود السورية، ويوضح ذلك بقوله «لا توجد معادلة اخرى. ان الامر بسيط. نحن تواقون لتوفير المساعدات الى لبنان، لكن هذا لن يتم اذا ما استمر «حزب الله» في تلقي الاسلحة. واذا ظلت تلك الفجوة مفتوحة فالسلاح سيستمر في التدفق».

لكن اغلبية الشيعة في لبنان، ومعهم حق، يقولون ان كل الحكومات اللبنانية اهملتنا، ووحده السيد حسن نصرالله و«حزب الله» من وفر لنا المساعدات. يوافق لانتوس على هذا الواقع انما يضيف: «مع سوريا الآن خارج لبنان، فان المجال مفتوح امام الحكومة اللبنانية، فرئيس الوزراء فؤاد السنيورة يتمتع بدعم دولي، وهو سيتلقى الكثير من الاموال، انما عليه ان يتحرك بجرأة، وهذا ما لم يفعله حتى الآن، ليُظهر للشيعة في جنوب بيروت وجنوب لبنان، ان الحكومة مهتمة بهم وترعاهم. ان الصورة المنتشرة عن الحكومة الغارقة في البيروقراطية وعدم الكفاءة في وقت يقوم «حزب الله» باعادة البناء وتوفير الاموال، يجب الا تبقى الى الابد. انها صورة سيئة جداً».

رغم كل هذا، يؤكد توم لانتوس انه متفائل جداً بالنسبة الى مستقبل لبنان، فالقوات الدولية قوات جدية، والمساعدات ستصل الى لبنان «واعتقد شخصياً ان الاضرار التي لحقت بـ«حزب الله» اكثر بكثير مما أُوحي للرأي العام، والمهرجان الذي اقامه «حزب الله» للاحتفال بالنصر ليس اكثر من علاقات عامة، لأن مع نصرين آخرين على هذا الشكل، ينتهي لبنان.

«ان يجري احتفال بالنصر ولبنان مدمر، وجزء منه يشبه مدينة درسدن الالمانية بعد قصفها قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، امر عبثي».

«اعتقد ان المهم هو ان السيد حسن نصرالله قال، لو انه كان يعرف حجم الرد الاسرائيلي لما كان خطف الجنديين. الآن صار يعرف».

«ما لا يركز عليه الرأي العام، هو ان نتائج هذه الحرب، وكانت معقدة، اسفرت عن التسبب بيقظة لاسرائيل، فهي ستكون بعد الآن ذات فعالية عسكرية اكبر، وذات قدرات اعلى في المستقبل. لو ان الاسرائيليين كانوا اكثر تفوقاً عسكرياً على الارض في هذه الحرب، لما كانوا الآن مصرين على تحسين ادائهم. واذا تابعنا النقاشات الدائرة في اسرائيل لرأينا النقد الذي يتعرض له وزير الدفاع ورئيس الاركان، وهذا يعني انهم لن يسمحوا لهذه الحرب ان تتكرر. سيعودون الى اسلوب حرب الايام الستة. و«حزب الله» يعرف هذا الامر».

لكن عمير بيرتس وزير الدفاع الاسرائيلي بعد الهزيمة في لبنان قال: ان كل حرب توفر فرصة لاتفاقية سلام، ودعا الى استئناف الحوار مع سوريا، ويقول لانتوس «لا ارى استئنافاً فورياً للمفاوضات بين اسرائيل وسوريا. لقد زرت دمشق عدة مرات. وسأزورها في المستقبل القريب جداً. لكنني لا ارى تصرفات الرئيس السوري بشار الاسد تشجع على اعادة فتح الحوار الآن».

وأسأله عن سبب زيارته المقبلة الى دمشق فيجيب «لأنني اريد ان ابقى على اتصال مع المنطقة. انا مهتم بالشرق الاوسط انها منطقة واعدة. اللبنانيون والفلسطينيون والاسرائيليون كلهم لامعون وموهوبون وقادرون».

وأسأل عضو الكونغرس لانتوس عما دار من حديث بينه وبين الرئيس السوري في زيارته السابقة. يجيب: «اعطيته لائحة من سبعة بنود، تبدأ بانسحاب القوات العسكرية السورية من لبنان، على ان يليها انسحاب الهيكلية الاستخباراتية السورية منه، واغلاق مكاتب «الارهابيين» في دمشق، اي كل الطلبات التي عليه لاحقاً ان يقوم بتلبيتها، بعدما أُجبر على تحقيق قسم منها».

«ان سوريا تستحق مستقبلاً افضل. في احدى المرات أتيت بالسيارة من الاردن الى دمشق، وآلمني الفقر الذي تعيشه تلك البلاد. في كل مدينة زرتها في الشرق الاوسط ، يوجد على الاقل فندق من الدرجة الاولى. لا يوجد هذا في دمشق، نزلت في «الشيراتون»، وهو بمثابة عقاب لكل زائر!

«ان اقتصاد سوريا يعاني كثيراً بعد الانسحاب من لبنان. وانا متأكد من ان اللبنانيين سيقاومون عودة السوريين».

ويعود توم لانتوس في حديثه الى لبنان، والى الانقسام الذي يعيشه هذه الايام بعد الحرب «الذي هو مشكلة جدية»، لكنه يرى وجود الكثير من الاصرار عند اللبنانيين على منع الانقسام من التجذر. «اعتقد ان العناصر الايجابية في لبنان بمساعدة المجموعة الدولية ستسود. ولو لم اكن واثقاً من ذلك، لقلت، ان سوريا الكبرى ستظهر، ولنترك السوريين يعودون. هذا ليس حلاً. وحول هذه المسألة نحن متفقون تماماً مع الفرنسيين والدول الاوروبية الاخرى».

ويضيف لانتوس «انه يدعم دعوة فرنسا الى عقد مؤتمر دولي لانقاذ اقتصاد لبنان، هذا اذا تمت السيطرة الفعلية على الحدود اللبنانية ـ السورية. واذا لم يحدث هذا الامر فان اعادة بناء لبنان ستكون ظاهرة مؤقتة. الدعم المادي الدولي للبنان ليس ينبوعاً لا ينضب، ولا تستطيع الحكومة اللبنانية ان تعرّض نفسها لحرب جديدة يجرها اليها «حزب الله». ان اميركا تدعم اللبنانيين لكنها لن تدعم أي فساد فيه».