الأكراد: لماذا الحقد عليهم وكرههم.. في كل العهود والمراحل ؟!

TT

كلما ازدادت تعقيدات القضية العراقية، ازداد استهداف الأكراد واستهداف مسعود البارزاني بالذات، وحال كل هؤلاء الذين يبادرون الى اعتصار الأحداث لاستخراج تهمة توجه الى الشعب الكردي، في شمالي العراق، وقيادته كحال من لا يجد ما يثبت به رجولته بعد ان يُشبع إهانات وامتهان كرامة في الخارج إلا بالعودة الى بيته ليُشْبِعَ أهله مرجلة وتفنناً في الشتم والضرب والاتهامات.

في كل يوم تتفتق عقلية الإفلاس ليس في العراق فحسب، وإنما في طول الساحة العربية وعرضها عن تلفيق تهمة جديدة ومن الوزن الثقيل وإلصاقها بالشعب الكردي وبمسعود البارزاني، فغير القادرين على لجم غول الذبح على الهوية والعاجزين عن إبعاد شبح التشظي والتفتت عن العراق، لا يجدون مشجباً يعلقون أخطاءهم وخطاياهم عليه سوى القيادة الكردية، التي كل الذين يسيئون إليها ويقولون فيها أكثر مما قاله مالك في الخمر، كانوا قد استظلوا بظلها هرباً من سطوة شمس صدام حسين يوم كانت ساطعة وحارقة.

لأن مسعود البارزاني يرفض نقل تجربة الأمن المنهارة في باقي أجزاء العراق ومحافظاته الى كردستان العراقية، فإن المتورطين والعاجزين يتهمونه بالانفصالية وكأن المطلوب هو استبدال الهدوء المستتب في السليمانية وأربيل ودهوك منذ عام 1991 بالاضطراب والذبح اليومي على الهوية المذهبية، الذي يجري في بغداد والبصرة والرمادي والموصل وكركوك وتكريت وكربلاء والنجف وفي كل شبر، للأسف ، في كل المناطق العراقية باستثناء المنطقة الشمالية.

هل المطلوب يا ترى هو ان يفتح مسعود البارزاني أبواب منطقته التي تنعم بالأمن والاستقرار والانتعاش الاقتصادي أمام الميليشيات المذهبية، وأمام فرق الشرطة المتورطة في الذبح على الهوية حتى لا يكون انفصالياً وحتى يُقال عنه أنه مع وحدة العراق، وأنه لا يسعى لإقامة دولة مستقلة على حساب الوحدة العراقية.. ؟!

وحتى بالنسبة لقضية عدم رفع العلم العراقي، الذي يوصف من قبل بعض العراقيين وليس كلهم بأنه علم صدام حسين، في المناطق الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي استناداً الى الدستور الحالي والى تلك الاتفاقية الشهيرة التي تعود الى العام 1970 فإن كل ما قيل بهذا الصدد، كان عبارة عن ليٍّ لأعناق الحقائق وافتعال لأزمة لشتم الأكراد واتهام قيادتهم، وتحويلهم الى مشجب لتعليق مؤامرات المتآمرين الحقيقيين على العراق وإفلاس المفلسين عليه.

كل العراقيين، ومعهم بعض العرب، يعرفون ان هذا العلم الذي يوصف بأنه علم صدام حسين لأن الرئيس العراقي أضاف إليه جملة: «الله أكبر» بخط يده، ويقال بدمه أيضاً لم يُرفع في منطقة شمالي العراق منذ عام 1991 عندما قرر الرئيس العراقي الأسبق مع بدء حرب تحرير الكويت سحب الإدارة المركزية منها، وكان البديل هو ان الحزبيْن الرئيسيين، الحزب الديموقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني، بادر كل واحد منهما الى رفع علمه في المناطق التي خضعت لسيطرته.

بعد إسقاط نظام صدام حسين في التاسع من إبريل (نيسان) عام 2003 وبعد انتخاب برلمان عراقي جديد جرى الاتفاق على ضرورة استبدال العلم السابق بعلم جديد يحظى بتأييد العراقيين بأغلبيتهم ويأخذ بعين الاعتبار المكونات الاجتماعية للشعب العراقي، هذا بالإضافة الى الثقافات المتعددة وقد تم تشكيل لجنة لهذه الغاية لكن هذه اللجنة لم تفعل شيئاً وبقي الأمر الواقع أمراً واقعاً وبقيت كل منطقة من مناطق العراق ترفع العلم الذي تعتقد أنه يمثلها والذي تشتهيه.

وإزاء كل هذه الاتهامات قال مسعود البارزاني في لقاء ثنائي معه في مصيف صلاح الدين أنه بعد ان أُختير رئيساً لإقليم كردستان طالب الحكومة المركزية مراراً وتكراراً بأنه عليها ان تسارع في تنفيذ قرار البرلمان العراقي بخصوص قضية العلم الجديد، وإنه عليها ان تضغط على اللجنة المخولة بهذا الأمر لتقوم بما كُلفَّت به، حتى لا تبقى الأمور عائمة، وحتى لا تبقى إحدى المناطق العراقية ترفع العلم الإيراني، في حين ترفع مناطق أخرى إما علم صدام حسين مع جملة: «الله أكبر»، أو بدونها أو مكتوبة إما بالخط الكوفي أو الرقعي أو بخط اليد وإما علم عبد الكريم قاسم، أو حتى علم الملكية لمرحلة ما قبل انقلاب عام 1958.

ويقول مسعود البارزني أيضاً إنه بعد ان تولى رئاسة الإقليم رسمياً، ومن خلال الانتخابات، وجد في ظل عدم إنجاز لجنة العلم ما جرى تكليفها به، من قبل البرلمان العراقي، إن الفوضى بالنسبة لهذا الأمر غدت ضاربة أطنابها في كردستان العراق، فهناك عشرات الأعلام الحزبية المرفوعة عشوائياً، حتى على بعض المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، وهناك من يرفع علم صدام حسين بدون جملة: «الله أكبر» وهناك من يرفع علم انقلاب يوليو (تموز) عام 1958، وهناك من يرفع العلم الإيراني، وهناك من يرفع علم الملكية وهناك من يرفع أعلام بعض الدول العربية.

ولذلك، كما يقول مسعود البارزاني، فقد قررت من قبيل الضغط على الحكومة المركزية عدم رفع أي علم آخر غير علم «الإقليم» الى ان يتم الإتفاق على العلم الجديد للدولة العراقية: «.. وإنني أؤكد لكل من يعنيه هذا الأمر ويهمه بأنه وبمجرد موافقة البرلمان العراقي على علم جديد، فإن هذا العلم سيتم رفعه على كل المؤسسات والدوائر الحكومية الإقليمية والى جانب علم الإقليم الذي نصت على ضرورة رفعه في هذه المنطقة كل الاتفاقات السابقة واللاحقة مع الحكومة المركزية».

ثم وبالإضافة الى قضية رفع العلم، المفتعلة من أولها الى آخرها، فقد عاد البعض، عراقياً وعربياً، الى عزف ذلك اللحن النشاز القديم والقول ان إقليم كردستان العراق غدا جيباً إسرائيلياً، وأن هناك ضباطاً إسرائيليين يقومون بتدريب قوات «البيشمركة» وهؤلاء كلهم يعرفون ان هذا الاتهام لا صحة له على الإطلاق. فلو أن القيادة الكردية فعلاً بحاجة لمن يدرب قواتها، فإنها بالتأكيد لن تستعين إلا بالقوات الأميركية وبالقوات المتعددة الجنسيات، المتواجدة أيضاً في هذه المنطقة من العراق.

إن المؤكد، وهناك حيثيات كثيرة لا مجال لذكرها الآن، أن كل هذه التهم والاتهامات تقف وراءها الدولتان اللتان تخشيان أكثر من العرب والعراقيين بألف مرة قيام دولة كردية في كردستان العراق، على أساس حق تقرير المصير خوفاً من انتقال هذه العدوى إليهما وهما تركيا وإيران، إذْ أنَّ عدد الأكراد وفقاً لمعظم التقديرات يصل الى نحو سبعة عشر مليون في الدولة الأولى، في حين أنه يصل في الثانية الى نحو سبعة ملايين.

وهنا وانطلاقاً من موقف عربي غير «شوفيني»، فالمفترض ان العرب كلهم في كل أقطارهم يعرفون أنه إذا كان قيام الدولة القومية الكردية المستقلة يؤرق تركيا وإيران، فإنه يجب ألاَّ يؤرقهم فالأكراد على مدى حقب التاريخ كانوا رديفاً للأمة العربية، وكانوا طليعة المدافعين عن مقدسات هذه الامة والمثل الذي سيبقى خالداً على هذا الصعيد هو صلاح الدين الأيوبي، وهو أولئك الاستقلاليون الذين كانوا في مقدمة الكفاح العربي أولاًً ضد الهيمنة العثمانية ثم ضد الاستعمار الذي ورث العثمانيين في الهيمنة على المنطقة العـربية.

ولذلك وحتى لا تكون كردستان العراقية جيباً إسرائيلياً وحتى تكون الدولة القومية الكردية المستقلة التي ستقوم ذات يوم رديفاً للأمة العربية وشقيقة لها، فإنه على العرب أن يتخلصوا من عقدة معاداة الأكراد وحقوقهم بل عليهم ان يكونوا العون لهذا الشعب الشقيق العظيم الذي من حقه، مثله مثل كل شعوب الأرض، ان يقرر مصيره بنفسه وأن يقيم دولته وألاَّ يبقى يدفع وحده استحقاق مخلفات الحرب العالمية الأولى والمعادلات والتوازنات التي فرضها المنتصرون على هذه المنطقة .

غير مقبول وغير مبرر الاستمرار بالنظر الى الأكراد والى حقوقهم بالنظرة «الشوفينية» الكريهة ثم وإذا كان تحرر هذا الشعب وإقامة دولته المستقلة يعتبر بالنسبة لبعض العرب مشكلة فيجب الاعتراف للأكراد العراقيين بحقوقهم كاملة حتى بما في ذلك حق تقرير المصير ليصبح بالإمكان تصدير هذه المشكلة الى إيران وتركيا.

لا مصلحة لا للعرب ولا للعراقيين في أن يبقى الأكراد يعاملون في هذه المنطقة كشعب زائد، فالفرس لهم دولتهم والأتراك لهم دولتهم والشعوب العربية لها دولها، فلماذا هذا الشعب وحده الذي لا يجوز ان تكون له دولته، ولماذا يبقى بالنسبة لكردستان العراق محروماً من حقه في تقرير مصيره باسم الخوف على الوحدة العربية، والخوف على الوحدة العراقية.. إن أمة تقبل باضطهاد أمة أخرى لا تستحق الاستقلال ولا تستحق الحرية.. ؟!

إن الذين لا يعترفون للشعب الكردي في كردستان العراق بحقه حتى في إقامة الدولة المستقلة كخطوة أولى نحو قيام الدولة الكردية القومية المستقلة، لا يعرفون المصالح الاستراتيجية للأمة العربية، ولا يدركون ان هذه الدولة الكردية القومية المستقلة قادمة لا محالة، وبهذا فإنهم هم الذين يسعون لإقامة جيب إسرائيلي في شمالي العراق، وليس مسعود البارزاني ولا القيادة الكردية.