«عرض العضلات».. من بيونغ ينغ إلى بيروت

TT

مؤسف أن تنقضي سبع سنوات على انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، ومنطقها أي منطق التهديد والوعيد، لا يزال منطق لغة التخاطب السياسي الطاغية على اللبنانيين.

واللافت في هذه الظاهرة غير الديمقراطية ليس فقط تجاوزها للعبة البرلمانية في البلاد، بل توسلها اسلوبا بات دارجا لايصال رسائل التهديد والوعيد: إقامة عروض «شعبية» للعضلات لا تخلو من التهديد المبطن للخصوم.

تسلسل مباريات عرض العضلات في لبنان يوحي وكأن القصد منه، ابقاء حالة التشنج التي أفرزتها حرب الثلاثة وثلاثين يوما حية في كل ذهن ومتفاعلة في كل نفس، فبعد ان بدأت المباريات بعرض دراماتيكي لعضلات حزب الله في الضاحية الجنوبية ـ لم يخلُ من محاولة توظيف «النصر الآلهي» في السباق الى السراى ـ جاء دور حزب القوات اللبنانية لاقامة مباراة أخرى في حريصا، ثم دور حليف حزب الله، الجنرال ميشال عون، للوعد بعرض خاص به في سياق مسلسل يبدو مرشحا، في حال استمراره، لأن يصبح «مسرح الساعة العاشرة» المجاني للبنانيين، إن لم يكن البديل الشارعي للنظام الديمقراطي التوافقي في لبنان.

وهنا خطورة الاحتكام الى الشارع على حساب اللعبة الديمقراطية، فديمقراطية لبنان التوافقية، على علاتها، هي صمام أمان نظام التعايش المذهبي بين اللبنانيين. والى ان يقتنع اللبنانيون بأن علمنة نظامهم الطائفي، هي المخرج الوحيد لصراعاتهم السياسية ـ العقائدية ظاهرا، والسياسية ـ الطائفية باطنا، سيبقى لبنان ساحة تجاذب مذهبي تستقوي أحزابه بالخارج على الداخل.

مع ذلك، تبقى المفاجئة الحقيقية لمستعرضي العضلات الحزبية في لبنان ـ مهما عظمت حشودهم واحتدت تهديداتهم ـ في ان العرض الاساسي يجري خارج حدود لبنان، وان الحصيلة النهائية لهذا العرض، وليس عرض الداخل، هي التي ستحدد اسم رئيس جمهورية لبنان المقبل، وبالتالي توجه لبنان السياسي.

لذلك، قد لا تكون مجرد صدفة ان تترافق مباريات عرض العضلات في لبنان مع المباريات القائمة، على قدم وساق، على الساحتين الدولية والإقليمية بين الزعامة الاحادية للعالم والدول الموصوفة بـ«المارقة» مثل ايران وكوريا الشمالية وافغانستان والعراق، والتنظيمات المنعوتة بـ«الارهابية» مثل القاعدة وتفرعاتها في العراق وطالبان وقبائلها في افغانستان وحماس وحكومتها في فلسطين وحزب الله وسلاحه في لبنان...

حتى الآن لم تخرج المواجهة بين الولايات المتحدة ومجموعة «المارقين» و«الارهابين» عن عرض عضلات متبادل يتخلله تهديد ووعيد.. الى ان خرجت كوريا الشمالية عن إطار العرض المسرحي للعضلات، بتفجير قنبلتها النووية رغم كل التحذيرات الأميركية والأوروبية واليابانية، خارقة بوقاحة لا تخفى على أحد نظرية بوش للأمن الأميركي، والتي حددها بوضوح في خطابه الى الأمة، عام 2002، بتأكيده «ان الولايات المتحدة لن تسمح لأخطر الانظمة في العالم، ان تهددها بأخطر سلاح في العالم».

خطورة التصرف الكوري الشمالي لا تقتصر على تحدي نظرية بوش فحسب، بل على كشفه عجز الولايات المتحدة عن اتخاذ أي إجراء «عقابي» فعال حيال كوريا الشمالية، يضمن ردعها عن تطوير ترسانتها النووية، على الامد القريب على الاقل.

قد تجرب الولايات المتحدة فرض عقوبات اشد صرامة على كوريا الشمالية، ولكن جدواها تبقى محدودة، ما لم تلتزم الصين، جارة كوريا جغرافيا و«رفيقتها» عقائديا، التزاما جديا بهذه العقوبات.. مما قد يستوجب إما إعادة تقويم واقعية لفعالية نظرية بوش الأمنية، أو لحدود نفوذ واشنطن في «عالم ثالث» يبدو انه يخرج، شيئا فشيئا، عن قبضتها الأمنية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل ستكون «السابقة» الكورية الشمالية تجربة مشجعة لإيران للمضي في تطوير ترسانتها النووية، خصوصا في حال فشل مردود العقوبات الدولية على بيونغ يانغ؟

والسؤال عن ايران يطرح، بدوره، سؤلا آخر عما إذا كان عرض عضلات حزب الله وحليفه التيار العوني في لبنان جزءا عرضا لبنانيا فحسب، أم فصلا من فصول مخطط اقليمي للسيطرة على لبنان يتعدى النزاعات المحض محلية.. وثوابت الديمقراطية التوافقية لجمهورية الطائف.