الميتة المثالية

TT

تناول أحدهم صحيفته اليومية من أمام باب منزله، ووضعها بجانبه عندما انطلق بسيارته، ولاحظ أن الصحيفة تتحرك، وشيء ما (يخرفش) داخلها، واكتشف أنه عصفور دخلها، إما ليبحث عن طعام، أو ليقرأ آخر الأخبار، وأوقف السيارة وأبقى على المحرك دائراً، وما أن أطلق العصفور وهمّ هو بدخول السيارة وكانت إحدى رجليه خارج السيارة، إلا و(التعشيق) ـ أو مقبض التروس ـ ينزلق تلقائياً وتتحرك السيارة، وعلقت رجله الثانية تحت المقعد، وأخذت السيارة تسحبه وهو يعافر و(يفرفص)، وأخيراً انعتقت قدمه العالقة، وسقط على الأرض وشجّ رأسه، وتابعت السيارة انطلاقتها وارتطمت بشرفة منزل أحد الجيران، واخترقتها ودمرتها، وتحطمت مقدمة السيارة شرّ تحطيم، ونقل الرجل إلى المستشفى في حالة سيئة، ووضعوا في رأسه اثنتي عشرة غرزة، ونقلت سيارته إلى ورشة وتصليحها يكلف الآلاف، فيما رفع عليه جيرانه دعوى لإصلاح منزلهم، وبعثت له المحكمة بإخطار بذلك، كما أن المستشفى يطالبه بثمن علاجه، كل هذا حصل بسبب عصفور (مقرود) يريد أن يتثقف.

وحال صاحب هذه السيارة، أهون من حال صاحب طيارة خاصة صغيرة، وذلك عندما عوّم محرك الطائرة بالوقود، واكتشف أنه زاده أكثر من اللازم، وأدار المراوح للسير إلى الوراء بهدف إنقاص فائض الوقود، وحين عاد ليوقفها من الرجوع، أخطأ في المكبس، فدار المحرك وانطلقت الطائرة إلى الأمام مترنحة بخط لولبي متجهة إلى حقل ذرة مجاور، فيما كانت تسحب صاحبها إلى مسافة 150 متر وهو يحاول الصعود لها لإيقافها، وسقط على الأرض مضرجاً بدمائه، فيما أخذت الطائرة ترتفع لوحدها في خط متعرج وتختفي، ثم عثر عليها لاحقاً وهي عالقة ومحترقة في غابة من الأشجار على بُعد 100 كيلومتر.

أما الحادثة التي لا تزال عالقة بذاكرتي تماماً، فهي حادثة الطائرة التي تناقلتها وسائل الإعلام قبل ثلاث سنوات، حيث انه كانت هناك طائرة تحمل ثلاثين راكباً تقريباً، وأقلعت من مطار في فلوريدا في رحلة إلى ولاية أخرى، وقد حصل لها حادث غامض، إلى الآن لم يستطع أحد اكتشافه، لكن يرجح أن قائد الطائرة قد أصيب بنوبة قلبية ومات، وذلك لأن كل أبراج المراقبة الأرضية الذين كانوا يتصلون بها لم يتلقوا أي رد، مما اضطر سلاح الطيران إلى إرسال طائرتين للتحليق بجانبها، وهالهم ما رأوا، وبما أن الوقت كان ليلاً، وأنوار الطائرة وشبابيكها كلها مفتوحة، لهذا استطاع مَن كان بالطائرتين أن يشاهدوا جميع الركاب وكأنهم نيام، وليس بالطائرة أي حركة، ويبدو أن الطائرة أخذت ترتفع إلى مستويات عالية جداً مما جعل الضغط يختل أو يتجاوز معدله الطبيعي فمات من جراء ذلك جميع الركاب دفعة واحدة، واستطاعت تلك الطائرة أن تقطع أمريكا لوحدها من جنوبها إلى شمالها، ولم تسقط إلاّ عندما نفد وقودها وهي محلقة في منتصف كندا.

لقد كانت تلك الطائرة (نعشاً) جماعياً طائراً، أماتت زبائنها بهدوء، وأرادت أن (تفسّحهم) الفسحة الأخيرة على طريقتها الخاصة.. وبيني وبينكم فإن مثل تلك (الميتة) تستهويني، المهم أن تكون جالسة بجانبي على الكرسي قطة أليفة (نغموشة) لها سبع أرواح.

[email protected]