هيا بنا نغضب

TT

غضبت أشد الغضب حين تعرض الدين الإسلامي الحنيف للاستهزاء والسخرية، وحين تعرض نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام للاستهزاء من قبل صعاليك متطرفين من الدنمارك، والعاقل لا يرضيه الاستهزاء بالآخرين مهما كانوا: «لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن». لكن تعبيري عن غضبي لما تعرض له ديني يختلف عن البعض، عملاً بقول الرسول عليه الصلاة والسلام، «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يتمالك نفسه عند الغضب». كما أن ردة فعلي وغضبي تأخذ في الحسبان دوما أن الفكر لا يضيره الهزو، وأن الدين أقوى من السفهاء والجهلة:«إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما». وعلى قاعدة «ما شاذ الدين أحد إلا غلبه». وقول علي بن أبي طالب: «ما حاججت عالما إلا غلبته، وما حاججت جاهلا إلا غلبني».

لا أرى أبدا أن السفهاء والجهلة والمتطرفين قد أضروا الدين الإسلامي الحنيف، ولا النبي عليه الصلاة والسلام، بشيء، سواء كان هؤلاء من الدنماركيين أو الهنود أو الأمريكان أو غيرهم. فالعالم مليء بالسفهاء، ولو أن كل سفيه أراد النيل منا بالاستهزاء بنا أقمنا الدنيا ولم نقعدها، لسعد أعداؤنا، ولتركنا كل ما لدينا لمماحكة السفهاء والجهلة.

مطلوب قبل كل شيء أن يطلع المسلمون على كل ما يسيء لديننا، وذلك عملا بقول الرسول عليه السلام: «لا يكن أحدكم إمعة، يقول ما يقول الناس، ويفعل ما يفعل الناس»، فالمؤمن القوي المسلح بالمعرفة والحقيقة خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف الذي يغضب بدون وعي، ولم يشاهد الفيلم أو الصور الكاريكاتيرية التي تتطلب الغضب، فبالحقيقة يمكن لنا أن نجادل الآخرين عن وعي وبصيرة عملا بقوله تعالى: «وجادلهم بالتي هي أحسن».

كما علينا أن نحاول جذب أو ربما تحييد من هو ضدنا بدلا من دفعه إلى مزيد من العداوة لنا «فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم». ومطلوب منا أن نتذكر دوما بأن العالم يتكون من أديان وبأن التنوع الديني هو فطرة الله التي خلق عليها البشر جميعا، ولا يمكن للبشرية أن تؤمن بالله وبدين واحد في هذه الحياة الدنيا: «ولو شاء ربك لآمن الناس جميعا»، «ولو شاء ربك لجعلكم أمة واحدة». كما علينا أن نتذكر بأن إقناع الجميع بمعتقداتنا مسألة مستحيلة وغير مطلوبة: «لا إكراه في الدين»، «لكم دينكم ولي دين»، وبأن الله قد أعطى الإنسان حرية الإيمان به من عدمه: «فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر».

إن ردود الفعل غير الملتزمة والتي لا تمتلك استراتيجية للغضب لن تؤتي ثمارها، بل ستزيد من تمادي السفهاء في غيهم يعمهون، والدين الحنيف لن تضره تفاهات الجهلة والمتطرفين، فلكل دين أعداؤه، ولكل عقيدة رافضوها... وحذار من أن يتحول موضوع الغضب إلى أهداف سياسية لقوى متطرفة بيننا تحاول دون هوادة أن تدق إسفينا أبديا بين المسلمين وغيرهم من بني البشر، فهذا ما ينشده أعداء الدين، وهذا ما يريده المتطرفون.

إن الخطر الحقيقي على الدين قد يأتي من أبنائه أكبر مما قد يأتي من أعدائه، فالغضب الأهوج هو وقوع في شراك أعداء الفكرة، وعلينا بالتعقل والتفكر لمن يتهمنا باللاعقلانية وغياب التفكير.

إن قوى الدين السياسي في عالمنا تجد في ترهات السفهاء مادة للمزايدة، وموضوعا لمعاداة الآخر وإلغائه، ومناسبة لتعميق نظرية الفسطاطين اللادنية (نسبة إلى بن لادن)، وهنا مربط الفرس!!

هيا بنا نغضب من هؤلاء أولا، ثم نعبر عن غضبنا على أعدائنا، وتلك مهمة أسهل من الأولى.