محجبات لندن 2 - 2

TT

يبدو غريبا بعض الشيء ان يتحاور البريطانيون حول صفة الحجاب والنقاب المقبولة، الذي لخصه اعتراض وزير الخارجية السابق جاك سترو بقوله، انه لا يستطيع ان يخاطب امرأة لا يرى وجهها. لكن الحوار ليس غريبا على هذا المجتمع، المعروف بحيويته وجدليته، فقد سبق ان جادل في ظواهر الهيبية، والتنانير القصيرة، والعري، وعمامة السيخ الدينية. ومن الطبيعي ان تتعدد الآراء حيال النقاب، خاصة انه يزامن التطرف والارهاب، وما تلاهما من عنصرية عند البعض ضد الجالية الاسلامية. جاء دور بريطانيا لتجادل في شأن النقاب، كما تجادت فرنسا حول الحجاب.

وأرجح ان يخسر النقاب معركته لا لسبب، الا لأنه غير عملي في مجتمع ارتضى من قبل بغطاء الرأس بلا نقاش، بخلاف فرنسا وتركيا والدنمارك. وسبق للسيخ ان خسروا اعتراضاتهم ضد لبس خوذة الدراجات النارية، التي فرضت حماية لراكبيها، رفضت بدعوى ان عمامتهم دينية ولا يجوز ان يلبس فوقها شيء. قيل لهم في النهاية لا استثناءات، إما الخوذة او سيروا على اقدامكم.

ويمثل النقاب اعلى سقف في امتحان الحريات في بريطانيا، التي تعتبر من أكثر المجتمعات الغربية تسامحا، والنتيجة خاسرة حتى الآن. وسبق ان خسر المسلمون معسكرات مهمة كانت تؤيدهم في الماضي، وان كانت تخالفهم في الرأي، مثل اليساريين والليبراليين. كانوا يؤيدون المسلمين من قبيل مبدأ حماية حقوق الحريات الفردية. الأكثرية انسحبت تدريجيا بعد احداث التفجيرات، وسخافات ابو حمزة، وانتشار المؤيدين لابن لادن، وزواجات القصر القسرية، وظهور مواقف ضد المرأة، وأخيرا ارتداء النقاب الكامل الذي لم يكن معروفا قبل ظهور الحركة الاصولية السياسية بين مسلمي بريطانيا. لكن ايضا يجب التمييز بين المواقف، فمعظم المعارضين من السياسيين لم يقفوا ضد حق المرأة في ان تتنقب، طالما انها ليست مسؤولة عن عمل، كما في حال المعلمة، إذ لم يقل أحد بنزع اغطيتها عنها إن كان ذلك خيارها.

الحوار محصور في جانبين، واحد قانوني يخص مكان العمل وسيحسمه قرار المحكمة لا المجتمع. وجانب آخر نقاشي ثقافي، كما عبر عنه سترو، بان النقاب يسبب العزل بين فئات المجتمع وتحديدا الجالية المسلمة، التي يقول انها احوج الى الانخراط والتعايش مع الاغلبية. موقف يكاد يتفق عليه السياسيون البريطانيون على اختلافهم الحاد حزبيا في كل شيء آخر، مثل العراق وأفغانستان والعلاقة مع اميركا وغيرها.

الحقيقة الأهم من خسارة خرقة النقاب، ان المسلمين خسروا الكثير من التعاطف، بسبب ممارسات أقلية متطرفة، بل إن جود الاقلية هذه أصلا في مجتمع غربي يناقض مبادئها وتدينها لا مبادئ الدولة المضيفة فقط. ولا أقولها من باب التمييز او التذمر، بل من باب الانكار على التناقض، فالاولى بالمعلمة ان ترحل الى بلد مسلم يحترم خصوصيتها، لا أن تعيش بين قوم يناقض كل شيء فيهم ما تعتبر رفضه واجبا دينيا. بريطانيا، والغرب عموما، ليس البيت المناسب للمتشددين جدا، كونه يناقض مواقفهم في كل شيء يرونه ويعايشونه. ويبرر البعض التناقض بين السكن في بلاد «الكفر» وواجباتهم الدينية بقولهم، انها الحاجة الى لقمة العيش، التي اجبرتهم على الانتقال الى بلد كبريطانيا، وهو امر ليس صحيحا في معظمه. الحقيقة انها رغبتهم في رغد العيش لا لقمة العيش، وهما امران مختلفان تماما. الاقامة في بريطانيا مثل الاقامة في أي بلد إسلامي له قوانينه، التي تستوجب من المقيم والمواطن احترامها وإن لم يستطع فعليه أن يعود ادراجه.

[email protected]