اذكروا الطبالين بالخير

TT

من ضمن التقاليد العريقة التي ارتبطت بشهر رمضان الكريم عادة ضرب الطبول عند السحور. وهي عادة قديمة جرت في معظم البلدان الإسلامية. يمكننا ان نستدل على ذلك مما كتبه ابن بطوطة عند زيارته للبيت الحرام في شهر الصيام فكتب يصف ما وجده في مكة المكرمة حيث قال: «اذا هل رمضان تضرب الطبول عند أمير مكة و يقع الاحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرم نورا... واذا كان وقت السحور يتولى المؤذن الزمزمي التسحير في الصومعة التي بالركن الشرقي من الحرم، فيقوم داعيا ومذكرا ومحرضا على السحور».

لطبول السحور إيقاع خاص في ذاكرتي بل وفي عقلي الباطن. كثيرا ما أهتز الآن ببعض القطع الموسيقية ذات الإيقاع المنتظم، شرقية او غربية. ثم اكتشفت السر، وهو ان ذلك الإيقاع جاء مطابقا أو موازيا لإيقاع تلك الطبول الرمضانية التي سمعتها في أيام طفولتي وتسحرت على أنغامها. ما زالت أصواتها ترن في أذني، «دم! ..دم..!... دم...! سحور ! سحور! يا صايمين اقعدوا، اشربوا ماي واكلوا...سحور! سحور! ... دم! دم!»،

وفي أثناء ذلك، يكون المؤذن قد تسلق منارة الإمام وانطلق بصوته المجلجل يهيب بالمسلمين الاستفاقة من نومهم و تناول السحور: «لا إله إلا الله! لا إله الا الله! سحور... سحور! عجلوا بالسحور! اشربوا ماي!»،

لا ينتهي من ذلك إلا ويعود بعد دقائق، يدور حول المنارة وهو ينادي محذرا: «إمساك! إمساك يرحمكم الله!».

لكنني كنت أشعر بالألم تجاه الطبالين فسألت والدتي رحمها الله، متى يستطيع أهل الطبول أن يتناولوا سحورهم؟ قالت إنهم لا يحتاجون الى سحور. فببركة ما يقومون به من خدمة للمسلمين في هذا الشهر المجيد يغنيهم الله تعالى عن الحاجة للأكل. بيد انني اكتشفت في ما بعد أن كثيرا من العوائل كانت تقدم لهم أثناء سيرهم ما تيسر من الكباب أو الكبة ونحو ذلك من لذائذ الطعام فيشاركون المتسحرين في سحورهم شاكرين.

في آخر يوم من ايام رمضان ونحن نقترب منه، يتحول الطبالون من التطبيل ليلا الى التطبيل نهارا، يبشرون الصائمين بحلول العيد وانتهاء الصيام، وعندئذ يكافئهم الناس بالهدايا والعطايا النقدية كجزء من فطرة العيد وتقديرا لخدماتهم. بيد انه في الأيام الأخيرة من العهد العثماني، أدخلت السلطات تقليدا آخر للفطور والسحور، وهو إطلاق طلقة مدفع عند الفطور وطلقة ثانية عند السحور وأخيرا طلقة ثالثة عند الإمساك. استمر هذا التقليد الى يومنا هذا. وغالبا ما أثارت طلقة السحور بعض البلبلة، هل كان ما سمعناه طلقة سحور أم طلقة إمساك؟

من نوادر هذا التقليد أن الأوامر كانت تفرض على الجنود الطوبجية أن يبادروا الى أداء صلاة الفجر بعد الإطلاق. وكثيرا ما كان هذا الواجب يفاجئهم وهم متعبون أو نائمون أو مشغولون بشؤون الحرب والقتال فيؤدوا الصلاة بدون وضوء، فجرى المثل القائل: «مثل صلاة الطوبجية، بلا وضو بلا نية!»، كناية عمن يقومون بعمل بصورة ناقصة.

كثيرا ما استغربت من إخواني المسلمين الذين يغادرون لندن ويعودون الى بلدهم لقضاء شهر رمضان فيه. ما الداعي لذلك وصومهم مقبول في لندن أو بغداد أو مكة؟ ولكنني فهمت ذلك الآن. فالصوم في أوربا مثل صلاة الطوبجية. بدون طبول وبدون طوب وبدون مؤذن ينادي: «سحور يرحمكم الله!». رمضان بدون تقاليد رمضان ما يسواش حاجة في نظري.