نهاية نظام

TT

مخاوف محمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي اعلنها امس، من ان 30 دولة اخرى قد تنضم الى النادي النووي، تشكل اعترافا بان النظام الدولي، الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية وركيزته الاساسية 5 قوى عظمى نووية معلنة، وتدير النظام الدولي من خلال الفيتو في مجلس الامن الدولي، يشهد أيامه الأخيرة، أو لم يعد قادرا على التواؤم مع القرن الواحد والعشرين.

وككل شيء في الحياة والتطور الانساني له عمر وزمن، يبدو ان العالم على مفترق طرق، بين نظام دولي قديم تجاوز عمره النصف قرن، وآخر لا يزال يحتاج إلى بلورة، وستتخلله فترة قلقة خطرة، تحتاج الى حكمة كبيرة لعبورها حتى يمكن ارساء دعائم اتفاق جديد.

وقد جسدت التجربة النووية الكورية الشمالية، التي يعتقد بدرجة كبيرة انها قد حدثت بالفعل ـ رغم الشكوك ـ الازمة التي يعيشها العالم اليوم مع انتشار التكنولوجيا النووية ووجود عشرات الدول، التي تملك المعرفة اللازمة، ولا تحتاج سوى الى القرار السياسي لامتلاك هذه القدرة. وبدأ كسر احتكار العضوية الخاصة للنادي النووي بالتفجيرات التي اجرتها الهند ثم باكستان واعلانهما انهما قوتان نوويتان، بينما تعد اسرائيل منذ سنوات طويلة قوة نووية سرية غير معلنة، واخيرا انضمت كوريا الى النادي النووي المعلن، بينما يوجد شبه اعتقاد بأن إيران على الطريق بشكل او بآخر.

والسؤال او التحدي الذي يواجه العالم هو، هل يمكن وقف هذا الانتشار للسلاح النووي، مع المخاطر التي يشكلها هذا الانتشار على البشرية؟ والاجابة بدأت تتبلور في السنوات الاخيرة، حيث ظهر ان هذا شبه مستحيل، فمهما فرضت اجراءات او قيود او حصار على تصدير التكنولوجيا والمعدات الحساسة، فإن المعرفة، كما يثبت التاريخ الانساني، اشبه بالهواء، طالما هناك حياة لا يمكن وقف انتشاره او نفاذه عبر أي منفذ.

ومشكلة هذا الانتشار او الانفلات النووي، انه يضع هذا السلاح الفتاك في ايدي دول صغيرة، مصالحها ليست عالمية، وتخطط سياستها، حسب عداواتها او صداقاتها مع جيرانها، والكثير منها لم يصل لمرحلة النضج او الرشد، التي تجعل امكانية استخدام هذه السلاح في نزاعات بعيدة.

والمشكلة الأكبر ان هذا الانفلات يأتي في وقت يشهد العالم فيه صعودا لافكار التطرف، ومخاطر مواجهات وصدامات بين حضارات وثقافات، ولنتصور المشهد أو مستقبل البشرية اذا حدث تطور في هذه الصدامات في عالم تملك السلاح النووي فيه عشرات القوى، وبينها من هي مستعدة لاستخدامه ولا تعتبره مجرد سلاح للردع.

واذا كان هناك نظام يمكن ان يجنب العالم هذه الفوضى النووية، او يضع اطارا محكما لها يمنع ان يكبس احد على الزر الأحمر في لحظة غضب او بالخطأ، وهذا النظام يجب ألا يكون أمنيا او قيودا فقط، فكما كان نظام ما بعد الحرب الثانية، الذي وضعه المنتصرون، شاملا اقتصاديا وسياسيا، فان عالم الغد، الذي سيكون اكثر تعددية، يحتاج هو ايضا الى نظام اقتصادي وسياسي وأمني شامل جديد.