استأذنا ومولانا الشيخ دهليز!

TT

من قصص الطفولة والشباب حكاية الشيخ دهليز ـ أعمى ظريف كان يجرجرنا وراءه في حفلات الطرب في مدينة المنصورة. هل نفهم ما نرى؟ لا أظن ذلك.. ولكن أينما ذهبنا كانت الراقصات والأغنيات. وكان الشيخ دهليز لا شيخا ولا حاجة، وإنما يرتدي العمامة. وكان يطبل ويزمر ويرقص. ولا أعرف الآن بالضبط ما هي الظروف التي جمعتنا به. لقد كان موجودا معروفا ومشهورا، وابن نكتة وابن حظ.. وكان هو البصير وكنا نحن العميان نمشي وراءه ليلا ونهارا أينما ذهب وجلس وأكل وشرب.. ونغني ونردد. وأهالينا يسألون عنا فلا يجدوننا. وأخيرا عرفوا أننا قطعان الشيخ دهليز.. وبدأوا يمنعوننا، ولكن جاء ذلك متأخرا جدا. فقد ارتبطنا به. ووضعنا في السلاسل وسرنا وراءه سعداء بذلك ـ على الحافة بين الفن والجنس.. أو بين الطرب الخشن والخروج عنه. وفي مثل هذه السن الصغيرة كان حب الاستطلاع هو الذي يسيطر علينا. فكان الشيخ دهليز يقول: يا واد يا أنيس انهض واربط حزام الست منعشة ـ وهو اسم إحدى الراقصات. وأفعل. وهي تضحك كثيرا.. ولا أفهم..

أو أن يقول: يا عم أنيس.. يا أخي دق الباب وقل للست وطنية، الرجال كلهم في انتظارها..

أما الست وطنية فهي أشهر راقصة في بلدنا. وهي التي رقصت وغنت في معظم الليالي الملاح والأفراح. ولا أحد من عرسان الأربعينات إلا له صورة مع الست وطنية. وكنت أنظر من ثقب الباب وأطيل النظر. وأدق الباب: مين؟ فأقول: أنا..

وانت كمان مين؟ وأقول: أنا تلميذ الشيخ دهليز..

ويجيء ردها: قطع ـ بضم القاف وكسر الطاء ـ هوه المتنيل بره.. فأقول: أيوه يا ست..

وأنت مين يا واد.. تعال خد إيدي..

ولسبب ما كنت أجلس الى جوار الست وطنية والست منعشة وأطيل النظر والدهشة. ولكن كنت مبسوطا جدا بهذا الجو الغريب الذي ليس له نظير لا في البيت ولا في المدرسة ولا في أي مكان آخر.. وحاولت كثيرا أن أرافقها على الطبلة وهي ترقص. ولكن لم أتقدم في فن الطبلة أو الرق أو الصاجات رغم محاولات الشيخ دهليز..

وحمدا لله أنني اكتفيت بالفرجة حتى اليوم!