شهر البقلاوة والقطايف

TT

من التقاليد الأدبية بين الشعراء أن ينظم الشاعر ولو قصيدة واحدة في الاشادة بشهر الصوم وفضيلة الصيام. وهو ما فعله الشاعر الشعبي عبود الكرخي رحمه الله، عندما نشر قصيدة طويلة في الثلاثينات، يروي فيها كيف ان والديه حاولا أن يجبراه على الإفطار لسوء صحته. كان عبود الكرخي معروفا في طفولته بنحافة جسمه وشحوبة لونه، في ايام كان الناس يتخوفون فيها من النحافة ودقة الجسم. والقصيدة جديرة ونحن في هذا الشهر الفضيل ان نستشهد بشيء منها. يقول الشاعر:

هذا الشهر شهر الفوز بالجنة

وشهر المغفرة قرأنا خبر عنه

بهذا الشهر يلزم اذا امكنا

نحافظ ايها الأمة على الإحسان

انا يخطر ببالي يا اهل الدين

صمت رمضان عمري كان عشر سنين

بالحر الشديد اليوم في تشرين

انت تصوم ووقتك خريف الآن

وأتذكر ابويه وامي ضربوني

لأن عندهم هالواحد يحبوني

وداروا ماي بحلقي يفطروني

فكرهم لأن شافوني طفل عدمان

ارتبط الفطور الرمضاني بأكلات معينة كشوربة العدس والكباب والتمر. كما ارتبطت التعلولة بالحلويات مثل البقلاوة والقطايف. وهنا نجد تمييزا عنصريا ضد الشوربة والكباب. فلم يرد بشأنهما أي شعر يذكر في حين وردت قصائد عصماء تتغزل بالبقلاوة والقطايف والبورك. نحن في هذه الأيام اعتدنا ضمن موجة الترف والثروات النفطية على اكل البقلاوة والمعجنات والسكاكر طوال العام. ونراها باستمرار امامنا في دكاكين الحلويات. ولكن الأمر لم يكن كذلك في سابق الزمان. كان رئيس العائلة يجلب الحلويات للبيت في شهر رمضان فقط والمناسبات الخاصة كالطهور والزواج. وهذا شيء جميل في الواقع. فهو يعطي المناسبة الرمضانية نكهتها وجمالها. كنا كأطفال نتطلع لشهر رمضان المبارك لما سننعم به من الحلويات والسكريات. توفر هذه المواد الآن على مدار السنة قتل خصوصيتها. لا احد من الشعراء الآن يتغزل بالبقلاوة أو القطايف بعد ان اصبحتا مادة مألوفة مثل الرز والخبز. ولكن وكما قلت، كان لها وقعها ومكانتها الموسمية الخاصة في الأيام الغابرة. وهو ما حصل لأحد الشعراء عندما دعاه احد اصدقائه من الأدباء الى تناول الفطور معه. لاحظ السيد المضيف ان ضيفه وصديقه الشاعر قد تمادى وامعن بدون رحمة في اكل حلويات القطايف، فحاول ان يخفف من غلوائه بتحذيره من عواقب الإسراف فيها، فرد عليه الشاعر بهذه الأبيات:

دعاني صديق لأكل القطايف

فأمعنت فيها آمنا غير خائف

فقال وقد اوجعت بالأكل قلبه

رويدك مهلا فهي احدى المتالف

فقلت له ما ان سمعنا بميت

ينادى عليه «يا قتيل القطايف!».