السندريلا.. أو الاتكاء على نعوش الموتى!

TT

الاتكاء على نعوش الموتى محاولة يستثمرها الأحياء لتحقيق مكاسب لهم. ومن أحدث الاتكاءات مسلسل «السندريلا» الذي حاول الاستفادة من نجومية الفنانة الراحلة سعاد حسني ونهايتها المأساوية، وقد يكون هذا الاتكاء مقبولا لو أن العاملين في هذا المسلسل امتلكوا القدرة على تجسيد تلك الشخصية بكل أبعادها الإنسانية بدلا من اختزال حياتها في تفاصيل زواجها وطلاقها وبعض أفلامها. فقد اكتفى المسلسل بالوقوف الخارجي عند عموميات الشخصية التي يعرفها الجميع، ولم يحاول الغوص في أعماق الشخصية المحورية لكشف صراعاتها الداخلية بكل طموحاتها وإحباطاتها، وهزائمها وانتصاراتها. كما لم يكلف مخرج المسلسل نفسه عناء التدقيق في اختيار شخصيات الممثلين لتحقيق الحد الأدنى من المقاربة مع الشخصيات الأصلية، فقد يعجز الخيال عن تصور الفنان مدحت صالح في دور عبد الحليم حافظ، فكان ظهوره باهتا ومملا

ولا يحقق الحد الأدنى من قناعة المشاهد.

وكنت أتمنى أن تحتج الفنانة نجاة الصغيرة على تسطيح المسلسل لشخصية شقيقتها سعاد حسني بدلا من اعتراضها على أن المسلسل يقدمها ـ أي نجاة ـ في دور فنانة تقبل الدخول في علاقات عاطفية من أجل الوصول إلى الشهرة، وأنها توهم أطراف تلك العلاقة بالحب وبصورة خاصة الشاعر كامل الشناوي صاحب القصيدة الشهيرة

«لا تكذبي»، فتلك «حدوتة» أخرى تظل في الهامش أمام مسلسل أوهم مشاهديه أنه يسجل محطات مهمة من حياة فنانة أشغلت الكثير من الناس في حياتها وبعد موتها.

إن حياة سعاد حسني كإنسانة، بغموضها وتعقيدات نهايتها، يمكن أن تشكل رواية نفسية ثرية، فتلك الشابة الفاتنة ظلت سجينة تلك الصورة الجمالية حتى بعد أن تقدم بها العمر، فلم تستطع أن تتصالح مع صورتها في المرآة بعد أن ذبل الجمال وتبدلت خريطة الجسد، فارتمت في أحضان عزلة قاسية لا يمكن أن تنبت سوى الوساوس والهواجس والكوابيس.. ولذا، فانا أقرب إلى تصديق نظرية انتحارها من فرضية المؤامرة التي يلوح بها البعض، فالسنوات الأخيرة من حياة سعاد حسني بما فيها من غربة ووحدة ووحشة وعدم التقبل الواقعي لتبدلات الجسد وخط سيره القسري نحو الشيخوخة، كلها أسباب كافية لتشكيل فكرة الانتحار.

وما زلت أعتقد أن الذين يعتزمون التصدي لهذه الشخصية في أعمال درامية أو تسجيلية في حاجة إلى تغيير مواقع الرؤية ليدركوا الشخصية من زواياها المتعددة، فلا يقفون عند سطح الشخصية كما وقف مسلسل «السندريلا».

[email protected]