القدوة.. وصناعة البطل

TT

منذ أيام قليلة مضت ذكرى رحيل الرئيس المصري محمد أنور السادات، الذي اغتيل بطريقة مأساوية، من قبل عملاء الجهل والتطرف في مشهد دموي لا ينسى. وكالعادة ومع حلول هذه الذكرى تفتح خفايا سيرته وتاريخ حياته، ويتم بالتالي استعراض جوانب مختلفة من شخصيته. ولا يزال الجدل قائما والنقاش محتدما بشأن مكانته في التاريخ، وحقبته، والقرارات التي اتخذها. وهذا البحث المتواصل والمتكرر عن السادات يحتم طرح سؤال بديهي هو: كيف تختار الشعوب قادتها، ومن الذي يقرر أنه زعيم ومحبوب؟ فلعله من الالغاز غير المفهومة كيف من الممكن أن يكون للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر شعبية جارفة بهذا الشكل في بلده وغيره من الدول العربية، وهو الذي تسبب وحده في فقدان الضفة الغربية والقدس والجولان في ضربة واحدة، بسبب الدكتاتورية والمحسوبية التي كانت تدار بها الأمور، ناهيك من السجون المليئة بالنزلاء والمعتقلين، والغاء حرية التعبير، والغاء الحركة السياسية التي كانت مزدهرة قبل حدوث الانقلاب العسكري. بينما استطاع السادات أن يحقق نصرا عسكريا حقيقيا على اسرائيل، ويستعيد كامل الأراضي المصرية منها باتفاق سلام. وحاول السادات أن يعيد بعض المكانة للحركة السياسية واطلاق المنابر وتحررت الصحف قليلا. ومع كل ذلك لا تزال الجماهير مغرمة بعبد الناصر ولا تغفر أبدا للسادات. وخطيئة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر أنه شجع على استنساخ نماذج مشابهة لحكمه، فابتلي العالم العربي بالنماذج العجيبة من الخطابات الثوروية القوموية التي ولدت بلادا هشة، ومواطنين مهزوزين واقتصاديات ضحلة، كان همها الوحيد الحفاظ على النظام والاشخاص، لا البلاد والمواطنين. وشتان بين الاثنين. هذا النهج في صناعة البطل هو الذي غيب النماذج السوية عن الساحة وهمش وجودها، وإلا كيف من الممكن تفسير أن مصر «الشعبية» لم تتبن أمثلة كأحمد زويل ومجدي يعقوب وفاروق الباز كتبنيها عبد الناصر؟ علما بأن هناك أمثلة كبيرة لثقافات وشعوب تمجد أبطالها العامة حتى أكثر من الأمثلة السياسية البارزة نفسها. صناعة الأبطال وترويج صيتهم وصولاتهم لا يزال يتم باسلوب التغييب والتخدير الكلي، وهذا فوت الفرصة على توسيع القاعدة المهمة لصناعة القدوة والمثل الأعلى، وهو أمر لم يعد فقط مطلوبا ولكنه بات ضرورة بالغة الأهمية. اليوم وباسترجاع التاريخ يبدو أن ما حدث بين السادات ومن قبله عبد الناصر يحدث مع غيرهم، وحتى تحدث القناعة بأن الابطال يمكن استخراجهم من غير القالب السياسي أو الديني ستبقى المجتمعات فاقدة للتنوع والتكامل الكافي والمطلوب.

[email protected]