مع انتخاب الأمين الجديد: خبرة وحكمة ومذكرات

TT

بدأت فكرة الأمم المتحدة العام 1941 بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لمواجهة دول المحور في الحرب. وعندما اقيمت العام 1945 اتخذت الدول المؤسسة لنفسها حق النقض في مجلس الأمن، الذي تألف من 15 دولة، خمس تتمتع بعضوية دائمة وعشر بعضوية مدتها سنتان. ولكن في ظل نظام الفيتو أو حق النقض لا وجود عمليا للدول الصغيرة ولا دور. وخلال الحرب الباردة استخدم السوفيات الفيتو في توسعهم الدولي، فيما استخدمته اميركا على الدوام لحماية اسرائيل من العقوبات وتغطية سياسة التنكيل بالفلسطينيين.

اي أن احدا لا يستطيع ان يشكو الدول الكبرى ويحاكمها، في حين يمكن محاكمة او معاقبة اي دولة اخرى. والدول الخمس اياها هي ايضا اكبر تاجر سلاح ومزوّد حروب. ومنذ 1945 شنت الولايات المتحدة نحو 200 عملية عسكرية. ولا تقتصر حرية الدول الخمس على استخدام القوة حيث تشاء، بل انها تملك ايضا وحدها (المادتان 108 و109)، حق تعديل دستور المنظمة الدولية: «فيك الخصام وانت الحكم والحكم». أما الجمعية العمومية فلا قوة تنفيذية لها. وحتى طريقة التصويت فيها مضحكة احيانا. ذلك ان صوت جزيرة توفالو (المحيط الهادي) يساوي صوت الصين. ويبلغ عدد سكان توفالو، مجتمعين، عشرة آلاف نسمة.

هل نحن في حاجة الى الامم المتحدة كما هي؟ لا. لقد أعلن الأمين العام الجديد في خطابه الأول انه سوف يكرس وقته «لقضية الشرق الأوسط». منذ 1945 والمنظمة ترسل المبعوثين الى المنطقة، بدءا بالكونت برنادوت، الذي اغتاله الاسرائيليون. ومنذ صدور قرار التقسيم الى الآن تضاءلت الأرض الباقية من فلسطين الى ما دون النصف. ولا نذكر ان الأمم المتحدة لعبت دورا استقلاليا في الجزائر او عدن او رادعا في السويس وسواها. والقرارات المهمة التي اتخذتها لا تزال دون تطبيق خصوصا 242 و338. لكنها قامت بدور اساسي في ليبيا بعد الاستقلال، على سبيل المثال. وابقت الجمعية العمومية القضية الفلسطينية حية حتى في اسوأ الاوقات. غير ان تسويات كبرى مثل قضية لوكربي ومحادثات اوسلو، تمت في معزل عنها. وفي الصراع حول العراق لم يستطع (طبعا) الامين العام اقناع اميركا بوقف الحرب، لكنه ايضا لم يستطع ان يقنع صدام حسين بان احتلال الكويت ليس نزهة اخرى، ولا هو حرب اخرى على «مجوس» ايران. ان الامين العام لا يناقش الدول الكبرى لكنه ايضا لا يفلح لدى الدول الصغرى. ذلك ان الاوراق التي في يده، معدومة هنا وضئيلة هناك.

كانت لدي متعة مهنية كبرى في حضور الجمعية العمومية كل عام. وكنت اسافر وفي ظني انني سأشهد حدثا ما هذه المرة. وقد توقفت عن ذلك بعد طرد بطرس غالي من الامانة العامة بصوت أميركي واحد مقابل 14 صوتا. واعتقدت أن خلفه لن يجني سوى التجربة والحكمة والمذكرات. توقعوها قريبا.