مثلث الأماني الشارونية

TT

يروي رئيس وزراء روسيا السابق افغيني بريماكوف أن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أرسلته إلى لبنان في السبعينات، ومعه رسالة واضحة ومقتضبة إلى قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. قال الرجل، الذي أمضى سحابة من عمره مراسلا لوكالة تاس في بيروت وصديقا لبعض زعماء العرب، قال لقادة الجبهة: يجب ان تكفوا عن خطف الطائرات المدنية، لأن ذلك يدعو المعتدلين الإسرائيليين إلى الارتماء في أحضان التطرف. وبعد قليل توقف خطف الطائرات.

الذي لم يتوقف ـ دائما حسب بريماكوف ـ هو سعي ارييل شارون لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، بحيث لا يبقى احد منهم «سوى العمال». كان شارون يعمل من اجل ابادة فكرة الدولة الفلسطينية في اذهان العالم. فهناك دولة اسمها الاردن وهذا هو الحل. ولذلك شجع شارون وكثيرون من السياسيين الاسرائيليين فكرة ضرب العراق وتدمير نظامه، من اجل تهجير اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين الى هناك.

وكان جورج بول، وهو مساعد سابق لوزير الخارجية الاميركية ومندوب دائم لدى الامم المتحدة، قد صرح امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بأن «اجتياح لبنان لم يكن عملية دفاعية على الاطلاق، بل هو محاولة لتحطيم المعارضة الفلسطينية الوحيدة والمعترف بها، كي تتمكن اسرائيل من ترسيخ وجودها في الاراضي المحتلة من دون مقاومة. هذا هو الواقع الحقيقي الذي عرفته عند لقائي ذات يوم بالجنرال شارون. فقد افهمني ان استراتيجيته على المدى الطويل تقوم على طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية فلا يبقى احد سوى العمال». حاول شارون حتى دخوله الغيبوبة ـ صدفة او عمدا ـ ان يطبق سياسة اقصى الحقد. وطبقها في صورة خاصة في عملية الانتقام من الرجل الذي كرهه اكثر من اي انسان آخر على الأرض: ياسر عرفات. وقد صرح رئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون وهو في الحكم بقوله: لقد كانت الغلطة الكبرى، في اننا لم نقتل ياسر عرفات في بيروت.

انني اتابع في سأم وفي سقم وفي تقزز ـ مع الاعتذار من القراء وليس من المعنيين انفسهم على مثل هذا التعبير ـ صراع الفلسطينيين في الداخل. وهؤلاء هم الذين اخترعوا لنا مصطلح «الاخوة» فكيف نستخدمه الآن وأين؟ في غزة أم في رام الله؟ منذ العودة الى غزة وكل يوم معركة وقتال، خصوصا بين قادة الامن، قاتلين ومقتولين. وكل يوم وتهم بالفساد الاصغر والفساد الاكبر. وقد ادى الفسادان الى سقوط فتح ومجيء حماس التي تأسست في البداية لسبب واحد لا علاقة له بتحرير فلسطين ولا بتدمير اسرائيل ـ ايضا حسب بريماكوف ـ ولكن الوقوف في وجه فتح. طبعا هذا المنحى تغير في ما بعد تماما. ولكن اسقاط فتح ظل بين الاهداف الاولى. ولو لم يكن شارون في الغيبوبة لما تمنى وضعا افضل في فلسطين: تحدر الصراع من السلطة والحكم الى الرواتب. وعقلاء فلسطين مثل عقلاء العراق، لا صوت ولا وجود ولا أمل. إنها أمنية شارون تتحقق في هذا المثلث!