حكاية مدينة

TT

تنشط هذه الأيام حركة التأليف والنشر في السعودية، ويحتل التدوين والتوثيق لتاريخ المدن وحياتها الاجتماعية مساحة كبيرة من هذه الحركة، ومن أحدث الإصدارات في هذا الشأن كتاب بعنوان: «جدة.. حكاية مدينة» من تأليف: محمد يوسف طرابلسي، وهو دبلوماسي سابق تقلد الكثير من المناصب في الخارج، كان آخرها عمله كرئيس للبعثة السعودية في تايبيه بجمهورية الصين الوطنية.

وكتاب «جدة.. حكاية مدينة» يفرد مساحة كبيرة لطبيعة الحياة الاجتماعية في جدة والملامح العامة لتاريخها، كما يتناول بشيء من التفصيل أحياءها التقليدية، مساجدها، عاداتها، تقاليدها، فنونها، رجالاتها، نشاطات سكانها، أزياءها، بنوكها، وأعيادها.. وقد استند المؤلف كثيرا الى الحكايات المروية التي جادت بها ذاكرة المعمرين من سكان هذه المدينة، إضافة إلى خبراته الشخصية التي عاشها في جدة كواحد من أبنائها، سكنها عشقا وسكنته بهاء، لذا فإن محتوى هذا الكتاب من نوع نادر ليس من السهل أن يحصل عليه القارئ في الكثير من الكتب التي تحدثت عن هذه المدينة وتاريخها الاستيطاني الذي يمتد إلى ما بعد العصر الحجري الحديث.. فلقد غمس المؤلف ريشته في محبرة حب هذه المدينة، فكان حديثه عنها أشبه بحديث العاشق عن معشوقته، فالكتابة عن هذه المدينة الساحلية البهية لا تشترط الحياد، فلا بد للكاتب عنها أن يكون لقلبه أجنحة عصافير كي يحلق إلى جمالياتها ويدرك أسرارها.

ولما كان البحر نافذة هذه المدينة وخبزها وحريتها، فلقد أفرد المؤلف مساحة كبيرة من كتابه لعلاقة هذه المدينة مع البحر، وعلاقة سكانها بأعماله، وهم كما يصفهم الرحالة بوركهارت بأنهم: «جميعا بحارة أو تجار بحريون أو عاملون بالتجارة».

ويقول عاشق جدة هذا في مقدمة كتابه: «تعشقها من حيث تدري ولا تدري فتسكن الشعور واللاشعور، وتصطفيها النفس دون تكلف أو رياء.. ليلها ونهارها حكايات حالمة حلم الباحثين عن الجمال، حانية رؤوم تسكب دفئها لتحتضن القاصي والداني فإذا هو عاشق متيم».

وباختصار: إن كتاب «جدة.. حكاية مدينة» يعتبر إضافة نوعية لمجموعة الكتب التي تحدثت عن هذه المدينة واهتمت بتاريخها وحياتها الاجتماعية، ففي هذا الكتاب تجد جدة بأنسها وناسها تنبض بالحركة والحياة.

[email protected]