العود «أحمد»

TT

تابع الكثيرون من مشاهدي المحطات الفضائية، منذ أيام قليلة، الإطلالة الجميلة والمفاجئة السارة للدكتور أحمد الربعي، المفكر والكاتب الكويتي المعروف الذي عاد بعد رحلة علاجية قادما من الولايات المتحدة، وهو يصارع المرض الخبيث. وظهر الدكتور أحمد الربعي بمظهر مطمئن ولله الحمد، جعلت محبيه يتنفسون الصعداء، ويحمدون الله على عودته بخير. وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها الدكتور الربعي صراعا مع «الخبيث»، فلقد كان دوما صوتا وقلما حرا وجريئا أمام سرطانات الجهل والتطرف والعنصرية، ودفع ثمن جولاته وصولاته وجهاده هذا الكثير من صحته ووقته وأعصابه. فلقد تعرض شخصيا لكمٍّ هائلٍ من التهديدات والإهانات والتجريح والحرب المنظمة للتشكيك في علمه ودينه ونواياه ووطنيته. وكانت ذروة هذه المواجهات إبان توليه مسؤولية وزارة التعليم في الكويت، ومحاولته إرساء سياسة تعليمية عصرية، فما كان إلا أن جُوبِهَ بحرب شعواء منظمة جعلت إمكانية نجاحه وبقائه في المنصب أشبه بكابوس لا ينتهي، حتى كانت نتيجة ذلك الجهد المنظم والمسيّس أنه ترك المنصب، ولكن جهاده استمر عبر المنابر والكتابة، ولم يقتصر طرحه وتوجهه على الساحة الكويتية حصريا، ولكنه كان يتحدث ويحذر من نفس التحديات والمخاطر للكثيرين من المسؤولين بدول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي، كل ذلك قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقبل أن يكون الطرح الذي من هذا النوع موضة يسعى لتقليدها الكثيرون.

الدكتور الربعي لديه قناعات مبدئية من الحرية والتسامح والسوية الاجتماعية، في مواجهته أمام التعصب والجهل الديني والجاهلية الاجتماعية، التي تحولت علاماتها مع مرور الأيام والسنوات الى معتقدات، وبالتالي الى ثوابت تدافع عنها فئات مختلفة من المجتمع، بدون إدراك حقيقي لحجم الكارثة التي يولدها الدفاع عن ذلك.

صوت الربعي وقلمه وعقله كان وكيلا شرعيا لكل مسلم عربي حر أبيّ يرغب أن يعيش في سوية وكرامة، ويمنح الحق في أن يكون له ولابنائه وأحفاده فرصة العدالة الاجتماعية والسوية الاقتصادية التي يكفلها نظام تعليمي فعال، وقضائي نافذ، وها هو يعود من جديد ليشعل من منارته الطريق الذي اختاره من جديد. الكل يعلم أن هذه المنطقة من العالم تمر بمخاض بين الجهل والعلم والتخلف والمستقبل والكره والتسامح، وأحمد الربعي عنصر مهم وجزء أساسي من المعركة الحاصلة بين النور وسرطانات الجهل والتخلف اللعينة.

الربعي كان بمثابة «الكيماوي» لهذا النوع من السرطانات (وهو غير الكيماوي سيئ الذكر على المجيد!) حفظه الله وشفاه وأهلاً به من جديد فلقد افتقدناه. أتذكر حديثا دار بيني وبينه في مصعد بالقاهرة خلال مشاركتنا في لقاء بإحدى الفضائيات، «الأمل يا حسين. لا نملك غيره لو فقدناه يكونوا انتصروا».

[email protected]