روسيا وأوروبا: زواج متعة أم شراكة؟

TT

سقط جدار برلين قبل 17 سنة. وفي ذلك الوقت، كان المستقبل يبدو واضحا، ومن ملامحه أن سقوط الجدار سيوجه موجة لا يمكن صدها من الأسواق الحرة والشعوب الحرة، وهو ما حدث لمدة 15 سنة. واليوم عندما تقف في المكان الذي كان يحتله الجدار وتنظر شرقا، فستشاهد موجة مضادة تتجه نحوك. وهو موجة سوداء من الشمولية النفطية تنطلق من روسيا، وهي تصد موجة حائط برلين من الأسواق الحرة والشعوب الحرة.

لماذا: لأن روسيا هي نموذج كلاسيكي لما أحب أن أصفه بأنه «القانون الأول للسياسات النفطية»، الذي ينص على أن سعر النفط ومعدلات الحرية تسير في علاقة عكسية في الدول النفطية، وهي الدول ذات المؤسسات الضعيفة والاعتماد الكبير على النفط في مدخولها القومي. ومع انخفاض سعر برميل النفط، يتزايد معدل الحرية. وفي اليوم الذي انهار فيه الاتحاد السوفياتي كان سعر النفط يقترب من 16 دولارا للبرميل. ومع ارتفاع اسعار النفط ينكمش معدل الحرية. واليوم فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يسيطر على ارباح هائلة للنفط والغاز، يسحق المعارضة الداخلية، ويعيد تأميم شركات الطاقة الرئيسية، ويطرد جماعات حقوق الانسان الغربية، ويحول نفسه الى الرجل الضخم في اوروبا.

وعندما يذكر لك الأوروبيون انهم يخشون من «حرب باردة» جديدة، فإنهم يتحدثون هذه المرة عن درجة الحرارة ـ والخوف من روسيا، اذا ما ارادت موسكو وقف امدادات الغاز، وهو ما يمكن أن يجعل اوروبا تعاني من البرد. فأربعون في المائة من الغاز الطبيعي الذي تستورده اوروبا قادم من روسيا، ومن المتوقع زيادته الى 70 في المائة بحلول عام 2030. ومع ارتفاع الاسعار، فإن روسيا قد تحولت من رجل اوروبا المريض الى الرجل القوي. فلقد اصبحت لروسيا تأثيرات اكبر، على اوروبا الغربية، «بأنابيب الغاز اكثر من تأثيرها بصواريخ اس اس 20» النووية ذات المدى البعيد، كما أوضح خبير الشؤون السياسية الخارجية الألماني يوسف جوف، مؤلف كتاب «القوى العظمى: الاغراءات الامبراطورية لأميركا. وقد أوضح جوف ذلك قائلا: «قبل عشر سنوات كنا نعتقد ان روسيا اصبحت خارج النطاق. وكنا نعلم انها ستعود مرة أخرى. ولكن فجأة، وبلا انذارات، ومع ارتفاع أسعار النفط، عادت الى المسرح العالمي، واصبحت هذه المرة اكثر مهارة. والى ذلك، فقبل ايام نقلت هيئة الاذاعة البريطانية عن شخصية كبيرة في الاتحاد الاوروبي قوله، ان زعماء الاتحاد الاوروبي أصبحوا يعرفون ما حدث عندما اصبحوا في نفس الغرفة مع بوتين؟ لقد انحنوا كلهم وقالوا نحبك فلاديمير». وكانت هيئة الاذاعة البريطانية تشير الى مؤتمر قمة، ساده التوتر يوم الجمعة الماضي في بلدة لاهتي الفنلندية. فقد ضغط المشاركون في المؤتمر على بوتين للالتزام بالعقود مع الشركات النفطية الغربية، بالاضافة الى تخفيف القيود على حرية الصحافة، وعلى جماعات حقوق الانسان في روسيا وجورجيا، والتحقيق في مقتل صحافية روسية.

فما يريده الاتحاد الأوروبي طبقا لما ذكره مسؤول ألماني كبيرة، هو القدرة على الاستثمار في مزيد من مشاريع النفط والغاز الروسية وانابيب نقل الغاز والنفط، بحيث تتداخل مصالح الطاقة الروسية وتلك الخاصة بالاتحاد الاوروبي، وبحيث لا تفكر روسيا في اغلاق انابيب النفط. ويريد بوتين لشركة غازبروم العملاقة ان تتمكن من شراء مزيد من العمليات في اوروبا. وبتلك الطريقة يمكن لروسيا السيطرة على صناعة النفط من الانتاج حتى وصول النفط للمستهلك في برلين وبروكسل. وفي الوقت الحالي وصل الطرفان الى نقطة المجابهة. ويقول خوزيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الاوروبية في حديث مع صحيفة فاينانشيال تايمز: «لا يمكن ان نسمح للطاقة بتقسيم اوروبا كما فعلت الشيوعية». ولكن هذا ما يحدث.

ومن الانصاف القول إن التغيير أمر مقبول. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وضغط الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي دول حلف الاطلنطي، على روسيا، وهي تستخدم القوى النفطية لتخفيف تلك الضغوط.

وقال كليمنزس ويرغين كاتب الافتتاحيات في صحيفة دير شبيغل الالمانية: «روسيا مختلفة تمام الاختلاف عن فنزويلا او السعودية». فروسيا تملك النفط والقوة النووية، كما اشار، وبالتالي لديها امكانيات القيام بدور اكثر سيطرة من الناحية الجغرافية السياسية في اوروبا.

ولا يعتقد المسؤولون الالمان ان روسيا ستغلق انابيب الغاز اذا ما حصلت على ما تريده. ففي النهاية، لم تفعل ذلك خلال الحرب الباردة، وروسيا اليوم اكثر اعتمادا على الأسواق الغربية. الا ان سنوات من العلاقات غير المريحة بين اوروبا وروسيا تجعل المسؤولين الالمان يشعرون بالقلق بخصوص مدى الاعتماد على الكرملين لتدفئة منازلهم ومكاتبهم. وأخيرا، فمختصر هذا المشهد يقول لك إنه وبغض النظر عن القلق، فإن روسيا قد عادت.

* خدمة «نيويورك تايمز»