لن نتورط في مس مقدساتهم.. يكفي نقد «ملفهم القبيح»

TT

استباح غربيون: كل مقدس لدى المسلمين: إلههم.. ونبيهم.. وقرآنهم، فهل نعاملهم بـ(المثل) فنبسط ألسنتنا بالسوء في إلههم ونبيهم وكتابهم؟ ـ ان (المثلية) محرمة علينا باطلاق لا استثناء فيه قط.

أ ـ حرام علينا (حرمة تأبيد) أن نعيب إلههم، ذلك ان الهنا والههم واحد وهو الله العلي العظيم الأحد الفرد الصمد: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون».

ب ـ وحرام علينا (حرمة تأبيد) أن نعيب نبيهم عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، ذلك ان ايماننا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يصح إلا بالإيمان بعيسى ابن مريم نبيا رسولا.. قال نبي الإسلام: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل».. وهذا الحديث شرح لآية آل عمران ـ مثلا ـ: «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين».

ج ـ وحرام علينا (حرمة تأبيد) أن نعيب كتابهم الذي أنزله الله تعالى على سيدنا المسيح عليه السلام، ذلك ان هذا العيب (كفر) بالانجليل، ومن يكفر بالانجيل يكفر ـ بلا ريب ـ بالقرآن نفسه ولذا كان (الربط الايماني الضروري والوثيق) بين الايمان بالقرآن والايمان بالانجيل: «نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل. من قبل وأنزل الفرقان».

لن نعاملهم بالمثل، ولن نتورط فيما هو محرم علينا حرمة تأبيد وإطلاق. ولكن هل معنى هذا: أن نرضى بالدنيّة والهوان فلا نرد ولا نردع؟.. لا والذي حرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرما.

لقد شرع لنا الإسلام (رخصة) رد الاساءة بشرط ألا يمس الرد: مقدساتهم التي هي مقدساتنا أيضا في الألوهية والرسالات والرسل. يمكن (نقل المعركة الى ارضهم) من خلال فتح (ملفهم القبيح) الطافح باستحلال الدم البشري واستباحته منذ قرون والى يوم الناس، وهو ملف يتعلق بـ(أفعال غربيين) وليس بالمسيح وانجيله. فما تألف ذلك الملف المرعب الا في غيبة التعاليم الحقة لذلك الانسان النبيل الجميل المسيح عيسى ابن مريم الذي هو سلام كله.. من البدء الى المنتهى: «والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا».

منذ يومين قال خافير سولانا: المفوض الأعلى للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوربي، قال وهو واقف على أرض تحتلها اسرائيل وتقهرها في فلسطين: «ان منطقة الشرق الاوسط تشهد اليوم أخطر حالة لها منذ انفجارها قبل مئة عام».

ماذا يعني سولانا بالانفجار القديم الشبيه بالحالة الراهنة في المنطقة؟.. هل يقصد ما سجله جواهر لال نهرو في كتابه (لمحات من تاريخ العالم)، اذ قال: «وفي عام 1904 اتفق البريطانيون والفرنسيون على حل المشكلات المعلقة بينهم. وبموجب هذا الاتفاق اطلقت انجلترا يد فرنسا في مراكش مقابل اعتراف فرنسا باحتلال الانجليز لمصر»؟ أم يقصد ما قاله نهرو ـ كذلك ـ في الكتاب نفسه حيث قال: «ان السياسة الانجليزية خلقت من اليهود الاقلية في فلسطين مشكلة، ولقد اتخذت الحركة الصهيونية في اواخر القرن التاسع عشر طابعا استعماريا وهاجر كثير من اليهود واستوطنوا فلسطين، وعندما غزت الجيوش البريطانية فلسطين في الحرب العالمية الاولى، ودخلت القدس، اعلنت الحكومة البريطانية وعد بلفور، الذي قطعته على نفسها في نوفمبر 1917. وهناك مسألة لم يلتفت الكثيرون اليها وهي ان فلسطين لم تكن بلادا جرداء او خالية من السكان، بل كان يقطنها اصحابها العرب، ولذلك كان هذا الكرم الانجليزي على حساب سكان فلسطين، الذين احتجوا ضد هذا الوعد احتجاجا صارخا، بمن فيهم العرب وغير العرب، المسلمون والمسيحيون، وكل شخص آخر غير يهودي».. هل هذا هو الانفجار السابق القديم الذي شبه به خافير سولانا: الحالة الراهنة في المنطقة؟

مهما يكن من شأن، فان الانفجارات والازمات والمشكلات، التي شهدتها المنطقة العربية، بل العالم الاسلامي كله في القرن العشرين والقرنين السابقين له.. هذه الازمات والانفجارات كان لها (بطل) معروف مشهور وهو (الاستعمار الغربي).. وملف هذا الاستعمار مثقل بالآثام والجرائم من كل نوع: استباحة الدم الانساني، واقتراف جرائم الابادة، وقهر الارادات الوطنية، والتنكيل بالوطنيين الاحرار، واغتيال حقوق الانسان، ونهب الثروات والخيرات، ثم حماية هذه الجرائم كلها بـ(حصانات) تمثلت في قوانين، وفي قضاء!!.. وبالرجوع الى نهرو نجده يقول في ذات الكتاب: «ومن مظاهر هذه الفترة رفع يد المحاكم المصرية عن محاكمة الاجانب، الذين اصبح لهم الحق في ان يحاكموا امام محاكم خاصة مكونة من قضاة اجانب. وهذا احد مظاهر امتداد السلطة الاجنبية الى خارج حدود البلد الذي يمارس الاستعمار».

وفي القرن العشرين دارت رحى اعنف واقبح وادمى حربين عالميتين في التاريخ البشري كله، وهما الحربان العالميتان: الاولى والثانية.

ولقد ذهب 87 مليون انسان ضحية هاتين الحربين، ولحروب اخرى ادارها الغرب ايضا في القرن العشرين. ان هتلر وحده قتل 17 مليون انسان. ما مسرح هذه الحروب المتوحشة، ما بيئتها؟.. مسرحها هو (الغرب): اوروبا بالتحديد.

من قادة هذه الحرب وسادتها وزبانيتها؟

قادتها (غربيون): لا عرب، ولا مسلمون.

فهل هتلر عدناني؟.. وهل موسوليني حفيد لامرئ القيس؟! والعنف الدموي في الغرب: ليس نزعة مفلتة او مفردة وانما هو (فلسفة) معتمدة لتحقيق الاهداف السياسية، يقول هربرت فيشر في كتابه ـ تاريخ اوروبا في العصر الحديث ـ: «في فرنسا ادى نشوب الحرب عام 1792 الى تكوين حكومة الارهاب. ان ذكرى دانتون غارقة في الدماء والعنف، ولن يغفر له التاريخ: اغضاءه عن مذابح سبتمبر عام 1792. لقد كان الارهاب في نظر دانتون كما هو في نظر جميع رجال السياسة: أداة ضرورية من ادوات السياسة والحكم. وهكذا كان دانتون مستعدا لأن يستخدم اي تدبير ارهابي يراه ضروريا لالقاء الرعب في قلوب اعداء الثورة».

وقد يقال: ان ذلك تاريخ قد تصرّم، وان (ملف جرائم الغرب) قد اغلق وطوي.

والجواب: يا ليت!!.. فنحن نتمنى لو ان ذلك الملف قد طوي.

اولا: لأن استمراره مفتوحا يعني انه سيضم ضحايا مسلمين جددا الى صفحاته. فدوما تحقيق مظالم الغرب بالمسلمين: بوجه خاص.

ثانيا: لأننا لا نتمنى ان يستمر احد متوحلا في آثام الظلم والعدوان. بيد ان هذه أماني ينفيها الواقع ويلغيها.

كيف؟ ان (الملف الغربي الدموي العدواني) لا يزال يسجل مزيدا من الاثم والعدوان على امة المسلمين، وعلى غيرها من الامم.

وهذه أدلة وقرائن من الواقع الراهن، لا من التاريخ الغابر:

1 ـ في راوندا اليوم (لجنة تحقيق) موسعة وعالية المستوى، تحقق في (تهمة) خطرة وهي: ان فرنسا الرسمية قد ارتكبت جرائم ابادة ضد طرف معين من اطراف الصراع الذي دار هناك عام 1994.. وبين يدي اللجنة وقائع تكاد تؤكد التهمة.. ولسنا ندري: هل كانت الجمعية الوطنية الفرنسية تعلم ذلك وهي تصور قانونا يتهم تركيا بارتكاب جرائم ابادة ضد الارمن في القرن الماضي؟

2 ـ في المانيا: تحقيقات حول جريمة شنيعة شبه مؤكدة اقترفها جنود المان في افغانستان، حيث أقدموا على تدنيس (جمجمة) لرجل افغاني.. وتفضل امين عام الحلف الاطلسي فقال: «ان سلوك الجنود الالمان غير مقبول».. غير مقبول فقط!!

3 ـ ومنذ ساعات اعلنت قوات الحلف الاطلسي انها قتلت 50 مدنيا افغانيا، معظمهم من النساء والاطفال. ولقد دعت بعثة الامم المتحدة في افغانستان الى اجراء تحقيق سريع وشامل في هذه الجريمة.

4 ـ اما ملف الولايات المتحدة في العراق فيمكن ان يوصف بأنه «خزي القرن الحادي والعشرين».

ففي خلال سنوات ثلاث قتل 655 الف عراقي بنيران الاحتلال، وبما تسبب فيه الاحتلال من فوضى عارمة ومن تحريش بين الطوائف ومن فقدان لسلطة الدولة والامن والقانون: وهو فقدان قصده الاحتلال قصدا.

وفي الملف: صور التعذيب والاهانات والحط من الكرامة البشرية بأقسى ما يكون: في سجن ابو غريب وغيره.

ومع ذلك كله، وعلى الرغم منه يقولون: «ان المسلمين هم اهل العنف الدموي.. ونحن لا ننكر ان من المسلمين من يمارس العنف المتوحش، ولكنهم قلة.. ثم انهم (غير رسميين). في حين ان العنف الغربي تمارسه كثرة، ويمارس بطرق رسمية».

كلا: لن نتورط في المساس بمقدساتهم التي هي مقدساتنا ايضا، بيد ان ملفهم في أفعالهم البشرية الشنيعة يجب أن ينتقد وأن يدان.