نعم ولا .. في وقت واحد

TT

الديمقراطية هي خلاصة التجارب الإنسانية في الحكم وتداول السلطة.. وهي بالطبع ليست خالية من العيوب، كما أنها تتطور وتتبدل وتتشكل تبعاً للزمن وللظروف المكانية والبشرية.. وعلى هذا فالديمقراطية ليست واحدة، وإنما هي ديمقراطيات منها الملكي ومنها الجمهوري..

وهي ـ أي الديمقراطية ـ وان شابها بعض العيوب والنواقص تظل أفضل التجارب السيئة ـ إن صح التعبير ـ

فالاقتتال على السلطة، والتحكم بالثروة، وتكميم الأفواه، وشل الأقدام والأيدي، وعدم احترام الأغلبية، هذه أمور حصلت بأشكال مأساوية في كل العصور، وفي كل بقاع الأرض، وعانت منها جميع الشعوب تقريباً.

وجمهورية فرنسا هي من الدول الرائدة في مجال الديمقراطية والحرية، رغم أن ثورتها التي دعت إلى الحرية والإخاء والمساواة أكلت أبناءها، وتحول شعارها إلى مجرد (مقصلة)، إلاّ أن مخاض تلك الثورة تحول فيما بعد إلى فكر وفن وأدب وفلسفة وإبداع، لهذا بدأ يتشكل ويتبلور مجتمع جديد مختلف.

واليوم ورغم أن حقوق (الإضراب) محفوظة لكل المهن والنقابات، وهذا أمر يفترض أنه من الافرازات الايجابية للديمقراطية، إلاّ انه أحياناً يكون مزعجاً وضاراً إلى ابعد الحدود، خصوصاً عندما يشمل الإضراب مثلاً: المواصلات بمختلف أنواعها، أو النظافة، أو المدرسين، أو الأطباء.

والغريب أنني لم اذهب إلى باريس إلاّ وأواجه بإضراب بالصدفة في أي مرفق، إلى درجة أنني شككت أو تيقنت أن وجهي نحس على الباريسيين.

ومن المواقف الحقيقية التي تروى، أن خادماً كان يعمل لدى الرئيس الفرنسي الأسبق (جيسكار ديستان)، كان يعارض الرأسمالية، ويقضي أغلب أوقات فراغه في حضور اجتماعات الشيوعيين، غير انه فجأة قطع الذهاب إليهم، فاستغرب الرئيس وسأله عن السبب، فقال: في آخر اجتماع حضرته. اثبت الخطيب انه لو قسمت كل الثروة الموجودة في البلاد بالتساوي لخص كل شخص 2000 فرنك، وبما أنني احصل على 5000 فرنك كراتب، لهذا قاطعتهم.

وفي الاستفتاء الذي اجري على الدستور الفرنسي الجديد في أول عهد ديغول، والذي حدث في قرية صغيرة هي مسقط رأس ديغول، لوحظ أن شخصاً واحداً فقط هو الذي أجاب بكلمة (لا) بين المشتركين في الاستفتاء، وظن الجميع انه ديغول فعل ذلك من باب التواضع، غير أن ديغول قال لهم: كلا، انه (فليمون) الطاهي الذي يعمل عندي، وقد قال: (لا) لا لأنه يعارض الدستور، ولكن لأنه يريد الانتقال إلى باريس.

[email protected]