الأديان المفترى عليها!

TT

«تأتيني إلهامات من عالم الغيب تخبرني بالمستقبل، وهي التي كشفت لي محاولة اغتيال دبرها بعض المتآمرين ضدي.. لا أشك أبدا أن الله تعالى كلفني بإنجاز مهمة عظيمة، ان الإلهامات التي فاضت علي من السماء كانت بمثابة معجزات خير للبلاد، إن ادارتي للحكم أنقذت الوطن لأنني كنت قريبا من الله على الدوام».

كان هذا بعض مما قاله شاه إيران، في مقابلة أجرتها معه عام 1973 الصحافية اليسارية الإيطالية أرويانا فالاتشي التي توفيت قبل أسابيع.. قبل أيام، قال الرئيس الإيراني الحالي محمود أحمدي نجاد كلاما شبيها بما قاله الشاه قبل أكثر من ثلاثين عاما!

بذلك لم يختلف الشاه ولا نجاد كثيرا عن بوش الذي يعتقد بأنه في حربه ضد الإرهاب إنما يقوم بمهمة إلهية ـ هكذا.

اليهودية السياسية المتمثلة بالحركة الصهيونية، ادعت أن الله وهبها أرض الميعاد في فلسطين، وبالتالي فإن مسألة إنشاء دولة لليهود على أنقاض حياة الفلسطينيين مسألة «ربانية» بالنسبة للحركة الصهيونية!

السيد حسن نصر الله ـ زعيم حزب الله (لاحظ اسم الحزب) ـ خرج يخطب في مئات الآلاف من اللبنانيين وغيرهم وسط الدمار والخراب محتفلا بالنصر «الإلهي»، وقبله بن لادن وأتباعه من فلول القاعدة يعتقدون بأن ما يقومون به من أعمال دموية وقتل وتفجير واختطاف وتصفية وجز رقاب، إنما هي تنفيذ لأوامر إلهية أمرنا الله بها.

كان صدام حسين قد خط عبارة «الله أكبر» على العلم العراقي حين ضاقت به الدوائر، وتقطعت به السبل بعد احتلاله للكويت. صدام كان يحاول تجيير هذا العبارة العظيمة لاستدرار العواطف وحشد التأييد لعدوانه.

بعض الملالي في إيران أصدر فتاوى دينية تفرض فرضا «ربانيا دينيا» بأن تستمر إيران في سعيها للحصول على التكنولوجيا النووية، وبأن هذا السعي الحثيث هو مسألة مرتبطة بالدين وبالتعليمات الربانية.. بعض العمائم واللحى ألغت علم الفلك والحساب والتليسكوب لتحدد «بمزاجها» متى يبدأ رمضان ومتى ينتهي!

لا يختلف الوسطيون والمتدينون من المدنيين بأن الخلاف لم يكن يوما مع الدين بحد ذاته، ولكن خلافهم مع البشر الذين سعوا ولا يزالون إلى احتكار تفسير الدين.

يخرج عليك أحدهم ليقول لك «أجمع فقهاء الأمة»، ولا يحدد لك معيارا يحدد من هو الفقيه من غير الفقيه، والأدهى أنه لا يحدد عددا لهؤلاء الفقهاء كي تحسب نسبة الإجماع، وهل هي نسبة مطلقة أم أنها نسبية! ويضيف آخر بأن «العلماء» اختلفوا حول مسألة كذا وكذا، وهو لم يحدد من هو العالم المقصود، وما هي مواصفاته ومقاييس حصوله على صفة «عالم أو فقيه»، وكم عدد من اختلف وعدد من وافق منهم؟

قبل أيام، قبل بعض «العلماء والفقهاء» اعتذار البابا، بينما رفض بعض آخر من «العلماء والفقهاء»، اعتذار البابا وتفسيره حول ما قاله عن الإسلام في محاضرته.

في الدولة الدينية، يحكم رجال الدين على قضايا السياسية والاقتصاد والإعلام والسلاح النووي، تخرج فتوى بتحليل أمر ما، فيأتي آخر لتحريم ما حلله من سبقه، فتاوى تحرم قيادة المرأة للسيارة وأخرى تحللها، وفتاوى تحلل تصويت المرأة وترشيحها وتبوئها أعلى المناصب السياسية، بينما توجد فتاوى من نوع آخر تحرم حتى ترشيحها في البرلمانات، هناك فتاوى تحرم عمل المرأة، وأخرى تحللها، بعضهم يقول بفرض النقاب، وآخرون يكتفون بالحجاب فرضا! وتراثها السياسي ـ الديني مليء بفتاوى تتناقض وتتعارض تماما مع فتاوٍ أخرى. إن صون الأديان يعني تنزيهها عن السياسة، ولا بديل للدولة المدنية التي تستمد قوانينها بالمساواة والعدل والحرية من جوهر الأديان، التي افترى عليها من يحاول مصادرتها واحتكارها.. وللحديث بقايا وكتابات لن تتوقف.