عاقل؟ وسعيد؟.. غريبة جدا!!

TT

جاءني سعيدا ولكن فى سعادته شيء من الخجل..والخجل واضح في أنه يحاول أن يجد مكانا لنظراته تحت الأرض..فهو لا يكاد يقول عبارة حتى ينظر الى الأرض كأنه يريد أن يدفنها..وروى لي تاريخ حياته..وليست له حياة.. ولذلك فليس له تاريخ.. وإنما هو واحد من ملايين يزحفون على بطونهم من أجل لقمة العيش.. وليس عملا بطوليا ان يعمل الانسان ويتعب فالحياة تعب سواء كان فيها عمل.. أو تعب اكثر اذا لم يكن فيها عمل.. ولكن الجديد في قصة هذا الشاب انه كان فتاة ثم أجريت له عملية فأصبح فتى.. ويريد أن يكون رجلا.. فقد ترك شعر رأسه على راحته وهو يطمع في أن ينتقل شعر رأسه الى الشفة العليا لعل شاربا أن ينبت هناك أو لعل لحية أن تظهر.

وعنده مشكلة ـ طبعا ـ إنه يريد أن يكون رجلا، ككل الرجال ولكن الناس لا يتركونه في حاله.. أو هكذا يتوهم..

أقرب الحوادث انه ذهب الى أحد المقاهي وطلب فنجان قهوة.. وجاءت القهوة متأخرة. فأستعجل الجرسون. فما كان من الشاب «المحدث» الرجولة الا أن شخط في الجرسون.. فوضع الجرسون الصينية التي معه ووضع يده في وسطه وقال له: أسمع يا أخ.. أنا راجل.. راجل.. ولا أحب أن اسمع كلمة من واحد زيك..

ومن المؤكد أن الجرسون لا يعرف ماذا حدث لهذا الشاب.. ومن الممكن ان يقول الجرسون مثل هذه العبارة وأقسى منها لأي انسان.. ولكن هذا الشاب لأنه ـ كما نعرف ـ أحس ان الجرسون يقصد انه كان فتاة قبل ذلك.. الخ.

والذي اضحكني ان هذا الشاب جاءني وهو سعيد جدا لأنه اصبح رجلا.. وانه يريد ان يعمل كرجل وان يعيش كرجل ـ تماما كأنما قد قام بعمل عظيم جدا.. ويستحق المكافأة على ذلك؟

وهو سعيد برجولته.. ولكنه ينسى أن هناك ملايين سبقوه الى التعاسة لأنهم رجال.. وملايين سبقوه الى التعاسة لأنهن نساء فلا هو كسب الرجال ولا هو خسارة على النساء وانما هو «واحدة» أو «واحد» كانت له صورتان تلاشت واحدة وظهرت الأخرى.. وسوف يلقى من الناس ما يلقاه الناس من الناس.. منتهى التعذيب وأن أحدا لن يستطيع ان يساعده لأن أحدا لا يساعد أحدا..

فالدنيا «ملاهي ودواه» وعليه هو وحده أن يختار الصورة التي تعجبه.. وأن يدافع عنها.. وهذا الدفاع هو المعنى الوحيد للحياة لحياته أو حياتها؟!