إسرائيل ومرور عشر سنوات على..!

TT

تتزامن زيارة الوفد الاسرائيلي المفترضة، برئاسة نائبة رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، الى قطر مع مرور عشر سنوات على انطلاق قناة «الجزيرة» الفضائية، وتتزامن كذلك مع مرور عشر سنوات على زيارة شيمعون بيريس للدوحة عام 1996. هذا التزامن هو مجرد مصادفة بحتة، وليس كما يتصور «الخبثاء« بأن السيدة ليفني والوفد المرافق لها ذاهبون الى الدوحة لمشاركة قناة «الجزيرة« باحتفالاتها، أو أنهم ذاهبون للاحتفال بمرور عشر سنوات على زيارة بيريس الى قطر، كما انه لا يجب الربط ما بين زيارة بيريس وبين انطلاق القناة. هذه كلها أوهام في أذهان الغاضبين من قطر ومن قناة «الجزيرة».

تسربت أنباء عن أن السيدة ليفني ألغت زيارتها الى قطر في اللحظة الأخيرة من بدء المؤتمر أمس، رغم عدم صدور أي تصريح رسمي من قبلها حتى كتابة هذا المقال. إلغاء زيارة رسمية بهذا المستوى، هو أمر غير معهود في المؤتمرات الدولية، ربما يكون هذا الإلغاء المفاجئ حقيقيا أو مجرد تكتيك أمني لخلق حالة من الغموض، خصوصا أن المؤتمر سيستمر لأربعة أيام، ويحتمل أن تحضر الوزيرة في أي منها. لكن المؤكد أن الوفد الاسرائيلي سيحضر بتمامه وكماله. المهم في هذه الزيارة هو المؤتمر الذي سيشارك فيه الاسرائيليون، وما سيدور في ردهاته من لقاءات جانبية بين من يعلنون عداوات على الشاشات الضوئية وفي العلن، وربما يعقدون في الوقت ذاته لقاءات على هامش مؤتمرات ذات شكل مختلف.

مؤتمر «الديمقراطيات الناشئة« الذي يعقد في الدوحة، يجذب الكثير من الحركات المناوئة لأنظمة الحكم في العالم العربي بألوانها المختلفة، من تيار الاخوان المسلمين في مصر والجماعات الاسلامية الى التيارات «القومجية«. كما أن المتابع للتحركات القطرية على الصعيد الاقليمي من زيارة أمير قطر الى الضاحية الجنوبية في بيروت، الى زيارة وزير خارجيته لدمشق وغزة، وكذلك زيارته الى طهران، يستطيع أن يستنتج ان هذه الرحلات الدبلوماسية كانت إعدادا وتهيئة للمؤتمر القادم في قطر الذي ستشارك فيه اسرائيل بأعلى مستويات التمثيل الدبلوماسي مع «أعدائها« تحت غطاء مؤتمر «الديمقراطيات الناشئة«. حتى زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس«، خالد مشعل، لا يمكن أن ترى إلا ضمن هذا السياق، خصوصا ان بعض الصحف الاسرائيلية أشارت الى أن أهم أهداف مشاركة الاسرائيليين في مؤتمر قطر، هو تحرير الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط المختطف من قبل جماعة خالد مشعل. كما ذكرت صحيفة «يديعوت احرونوت« الاسرائيلية، ان ليفني ستتفاوض في زيارتها الى قطر حول الجنديين الاسرائيليين المختطفين من قبل «حزب الله«.

أي خبير في شؤون ترتيب وإقامة مؤتمرات كهذه، يعلم تماما أن عنوان المؤتمر، سواء كان عن الديمقراطيات الناشئة أو حتى القديمة، ماهو في كثير من الأحيان, إلا غطاء لتسهيل لقاءات ثنائية أو متعددة الأطراف في المقار الخاصة المحجوزة للوفود الرسمية. لقاءات تتم بعيدا عن أضواء الصحافة والإعلام الذي سيكون حظه من حضور المؤتمر هو الجلسات العلنية فقط.

في الجلسات العلنية، سنرى طبعا «صحافيي قطر« يسألون الوفد الاسرائيلي أسئلة محرجة عما قامت به اسرائيل في لبنان وتقوم به في غزة، ولكن هذه الأسئلة مرتبة لخلق الغبار الكافي لستر عورة اللقاءات السرية. إعلام قطر في الدوحة والقاهرة وبيروت ولندن، وكذلك الصحف الالكترونية القطرية، الذي عهدناه ساخنا في أي شأن يخص «العدو الاسرائيلي»، نراه اليوم باردا وأليفا ومستأنسا، فمعظمه لم يأت على ذكر الزيارة الإسرائيلية الرسمية والعلنية الى قطر، ولم يتناولها بدراسة أو تحليل أو بحث فيما «وراء الخبر»، رغم أهمية هذه الزيارة، وكذلك أهمية الوفود العربية المشاركة.

جيشت قطر إعلاما بأكمله ليحارب اسرائيل في العلن، ويهلل لبطولة طائرة قطرية خرقت حصار بيروت الأخير، ويصفق لزيارة أمير قطر لمنكوبي الضاحية، ويشيد بالمكرمات القطرية لبنت جبيل، ويثير حمية الشارع العربي بفتاوى نجم «الجزبرة« العلامة القرضاوي، وأيام الغضبة التي يعلنها بين الحين والآخر ضد أعداء الاسلام والمسلمين. فما هو موقف هذا الاعلام المجيش اليوم؟ أم أنه سيردد لنا «الكليشيه » المعروف بأن قطر تفعل كل شيء في العلن؟ وماهي ردة فعل القرضاوي، هل سيدعو الشارع العربي والمسلم الى غضبة في يوم الجمعة الذي يسبق أو يلي زيارة وفد «العدو» الى ديار المسلمين؟

ليفني التي قد تحضر المؤتمر، والتي ستنزل، إن حضرت، أهلا وتحل سهلا في قطر، ليست شخصية اسرائيلية من ضمن الحمائم، هي في ثاني أعلى منصب في الحكومة الاسرائيلية التي ضربت الضاحية الحنوبية، وهي ابنة جهاز الموساد حيث خدمت فيه لمدة أربع سنوات (1980 – 1984)، كما أن أبويها كليهما من العناصر الفاعلة في حرب العصابات في زمن تأسيس دولة اسرائيل، ومن المتدينين، ولعل اسم سافورا (تسابورا بالعبرية) الذي أطلقاه على ابنتهما، دليل على رؤيتهما التوراتية. ولغير العارفين سافورا هي زوجة النبي موسى من بنات شعيب. أما تسيبي فهو اسم الاختصار والتدلل الذي يعني الطائر. فهل سيركز القرضاوي في برنامج «الشريعة والحياة» على الاسم التوراتي للوزيرة الاسرائيلية التي دعتها حكومة قطر أم على تاريخها السياسي؟ وهل ستتشح «الجزيرة» بالسواد احتجاجا على زيارة الوفد الاسرائيلي، كما فعلت يوم اغتيال الشيخ ياسين، أم أنها كانت لحظات مسرحية وراحت في سبيلها؟.

إرسال وفد اسرائيلي بهذا المستوى الرفيع الى قطر، لا بد وأن يكون له مردود سياسي كبير يفوق حجم المخاطر الأمنية المصاحبة لمثل هذه الزيارة، إذن لا بد أن الصفقات المحتملة تستحق هذا العناء. ولكن ماهي يا ترى الصفقات المحتملة؟.

الصفقة الأولى تخص اسرائيل و«حماس«. فحسب قناة «الجزيرة« هناك تفاؤل كبير بحل قضية جلعاد شليط. من المفهوم طبعا أن حل هذه القضية يستوجب مفاوضات مباشرة بين الأطراف المعنية، أي أن يكون خالد مشعل حاضرا، أو على الأقل، موسى أبو مرزوق، للتفاوض مع الفريق الاسرائيلي. ولما كان خالد مشعل في زيارة لأمير قطر الأسبوع الماضي، أجل بعدها زيارته الى مصر، فهذا يعني أن مشعل قد وجد الحل في الدوحة فاستغنى عن القاهرة. وربما كان ذلك هو مصدر تفاؤل «الجزيرة«.

الصفقة الثانية تخص الجنديين المحتجزين عند «حزب الله«. تسعى قطر الى وجود ممثلين عن «حزب الله« في المؤتمر للتفاوض مع الاسرائيليين. هنا لا بد أن نفرق ما بين الرؤية السياسية لقادة «حزب الله« وبين تطلعات جماهيرهم «المعترين« في لبنان.

طبعا لن يكون سهلا تخيل شعور أهل الضاحية الذين استقبلوا أمير قطر وعطايا الهلال الأحمر القطري، وهم يشاهدون المسؤولين الاسرائيليين يطلون عليهم من قناة «الجزيرة» من قطر، وليس من إسرائيل.

الصفقة الثالثة ربما تخص العلاقات السورية ـ الاسرائيلية. من الواضح أنه ليس لدى السوريين أي تحفظ على وساطة قطرية، بل يرحبون بذلك، فقد وصف الرئيس السوري، في مقابلة له على قناة دبي، قطر بأنها دولة تتمتع بالمصداقية كوسيط. والمعروف أن زيارات حمد بن جاسم المتكررة الى دمشق كانت تهدف الى فتح قناة بين سورية وأميركا، وبين سورية وإسرائيل. وبما أن الأبواب الأميركية مغلقة اليوم أمام قطر، لا يبقى لقطر لتعظيم دورها في المنطقة، إلا فتح قناة بين سورية وإسرائيل. إن مستوى التمثيل السياسي أو الاستخباراتي السوري في هذا المؤتمر يكشف لنا مدى إمكانية هذه الصفقة.

أما الصفقة الرابعة، وهي غير محتملة، هي صفقة إيرانية ـ إسرائيلية. فرغم توجيه الدعوة الى إيران لحضور المؤتمر، إلا أن التمثيل الإيراني حتى هذه اللحظة غير مؤكد.

بالطبع في زحمة المؤتمر، ستكون هناك لقاءات جانبية كثيرة بين جماعات «الاخوان المسلمين» وإسرائيل، وبين بعض «القومجيين» وإسرائيل. لقاءات لن تحظى بأي حلقات أو نقاشات في برامج «الجزيرة». وكأنه ليس هناك فيما يخص هذا المؤتمر «أكثر من رأي»، أو «اتجاه معاكس». ربما لأنه مؤتمر ليس «بلا حدود«، وفي ذات الرأي، ونفس الاتجاه.

إن لم تعقد الصفقات التي ذكرت، فهل زيارة الوفد الاسرائيلي هي للاحتفال فقط بمرور عشر سنوات على زيارة شيمعون بيريس الى قطر؟ أم أنها بالفعل كما يروج «الخبثاء» للاحتفال بمرور عشر سنوات على انطلاق قناة «الجزيرة»؟!.