الحالة العراقية: «بين وثيقة مكة» .. وحقائق الميدان

TT

كانت مبادرة منظمة المؤتمر الإسلامي بعقد مؤتمر للمصالحة العراقية في مدينة مكة المكرمة نابعة من دافعين: الأول حسن نيات من قام بتبني الفكرة ومن قام برصد الإمكانيات والجهود لدعمها، والثاني الشعور باليأس والإحباط جراء تدهور الوضع الأمني والإنساني في العراق، والرغبة في عمل أي شيء قد يساهم في إنقاذ الموقف قبل الانهيار الكامل والمدمر للدولة العراقية. ومن هنا، لا يمكن للمرء إلا أن يبارك هذا الجهد، على الرغم من إدراكنا أن هذه المبادرة قد جاءت متأخرة عن موعدها مع فهمنا وتقديرنا لأسباب هذا التأخير والتردد. ولكن ليس من المنطقي تحميل هذا الجهد أكثر مما يحتمل، أو الذهاب بعيداً في التوقعات لما يمكن أن يترتب على «وثيقة مكة» من نتائج بشأن وقف الاقتتال الدائر في العراق. فباعتراف الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فإن الإنجاز لا يتعدى تبني الوثيقة، خصوصاً أنها تفتقر إلى آلية للتنفيذ والمراقبة على نحو يلزم جميع الأطراف من دون استثناء باحترام بنودها.

هناك ثلاثة أطراف رئيسية مباشرة مسؤولة فعلياً عن إهدار الدم العراقي في كل يوم بل وفي كل ساعة من دون قيد أو رادع. وهذه الأطراف الثلاثة تتمثل بعناصر المليشيات المسلحة التي أمست عملياً تتحكم في الشارع العراقي وفي أرواح المواطنين وممتلكاتهم، وقوات الاحتلال الأمريكي ومن يساندها من حلفائها، وأخيراً قوات الجيش والشرطة العراقية المؤسسة حديثاً، والتي تقف في وسط المعادلة، وهناك طرف رابع لا يقل خطورة وفتكاً عن الأطراف الثلاثة الأخرى، والذي يتمثل بالعصابات الإجرامية المنظمة التي برزت على السطح منذ بداية الاحتلال، والتي يتعاظم دورها في عملية التدمير المبرمج للدولة والمجتمع، مستغلة حالة الانفلات الأمني الشامل، حيث صارت تمارس نشاطها اليومي في خطف وقتل المواطنين من دون رادع أو رقيب.

وإذا نظرنا إلى الأطراف الثلاثة المسؤولة بصورة رئيسية عن ممارسة العنف علي الساحة العراقية ومدى تأثير وثيقة تحريم سفك الدماء العراقية في مواقفها أو سلوكياتها، فسنُواجـَـه بحقيقة مروّعة ومؤلمة تعمق حالة اليأس والإحباط التي نعيشها كل يوم عبر مراقبة المآسي التي تجري على أرض العراق. فقوات الاحتلال الأمريكي لن تكون معنية، لا من قريب ولا من بعيد، بوثيقة إسلامية أُقرت من قبل علماء الدين الإسلامي في رحاب مكة المكرمة. فمن يحاول متابعة سلوك قوات الاحتلال خلال الأعوام الثلاثة الماضية يجد أن هذه القوات، وبإقرار قياداتها ومن خلال متابعة الجزء اليسير من الفضائح التي تم الكشف عنها، كانت مسؤولة عن مقتل الآلاف بل مئات الآلاف من المواطنين العراقيين الأبرياء على اختلاف انتماءاتهم. فهذه الوثيقة من دون أدنى شك لن تشكل رادعاً قانونياً أو معنوياً لنحو مائة وثمانين ألف جندي أجنبي موجودين على أرض العراق، ويتمتعون بالحصانة القانونية الكاملة من سلطة القوانين العراقية، وحتى من سلطة القوانين الدولية الخاصة بحالات الحرب أو التي من المفترض أن تحكم تصرفات القوات المحتلة.

والطرف الثاني المسؤول عن العنف وسفك الدماء في العراق هو قوات الجيش والشرطة العراقية التي تم إنشاؤها خلال العامين الماضيين، فهي أضعف من أن تقوم بدور فاعل ومؤثر في حفظ الأمن والنظام، وذلك لأسباب عديدة لا يتسع المجال للخوض فيها. وإذا كان يمكن تفهم أسباب استمرار ضعف الجيش والشرطة العراقيين، إلاّ أن هناك حقيقة مؤلمة تؤكدها تقارير عديدة، عراقية وغير عراقية، كما تدل عليها الشواهد على الأرض، وهي أن بعض تشكيلات الجيش والشرطة العراقيين قد تم اختراقها وبدرجة خطيرة من قبل مليشيات طائفية وعرقية متطرفة أو من قبل مجموعات إجرامية بدءاً من أعلى المستويات القيادية فيها نزولاً إلى عناصرها الميدانية. وهذه التشكيلات المخترقة أمنياً وسياسياً لا يعنيها مصلحة الوطن واستقراره أو أمن المواطن أو حرمة دمه. فمرجعياتها العليا تكمن في قيادات المليشيات وبعض القوى الطائفية أو العرقية المتعصبة التي لا تأتمر بأمر الدولة. ومن هنا، فإن المصالح الطائفية أو العرقية الضيقة هي التي تتحكم في سلوكيات هذا الجزء من عناصر القوات المسلحة في استباحة دماء المواطنين أو اعتقالهم العشوائي أو اختطافهم أو إرهابهم وتهجيرهم القسري. وهذه الجماعات التى تتصرف وفق برنامج سياسي محدد لا يمكن أن تكترث بما حدث في مكة المكرمة، ولن تعير أي اهتمام لوثيقة تحريم سفك الدماء وتحريم الاقتتال المذهبي. وإن لم يتم التعامل بصورة حازمة وجدية مع هذه العناصر التي لوثت بفكرها الطائفي المتزمت وسلوكياتها الوحشية القوات المسلحة وأجهزة الشرطة العراقية، فإن «الإرهاب المتستر بمؤسسات الدولة» سيستمر، وستبقى الدولة أو جزء مهم منها يتحمل مسؤولية مباشرة عن استمرار سفك دماء العراقيين الأبرياء. وهنا، يجب أن نذكر أن الحكومة العراقية قد اكتشفت مؤخراً، وبعد مرور ثلاث سنوات، وفي وحدتين أمنيتين فقط أن هناك ما يقارب ثلاثة آلاف من عناصر المليشيات (وهو مجموع عناصر الوحدتين) قد تم توظيفهم في صفوف قوات الشرطة العراقية وأنهم كانوا يتسلمون أوامرهم من قيادات المليشيات، لذا تم اتخاذ القرار بالاستغناء عن خدماتهم أو نقلهم لمهمات أخرى. وهنا، لا يسع المرء إلاّ أن يتساءل عن حجم الاختراق الحقيقي وعن طبيعة العلاقة بين القوات المسلحة الجديدة وقيادات المليشيات؟

وفي ضوء استعراض موقف الطرفين السابقين، يتعين التمعن في موقف الطرف الثالث، وربما هو الأكثر أهمية، والمتمثل بالمليشيات الطائفية أو العرقية المسلحة وتحديد ردود أفعالها المحتملة على «وثيقة مكة». فعراق اليوم يمكن وصفه بحق، وبكل أسف، بأنه «دولة المليشيات». وانطلاقاً من هذه الحقيقة، فمن المرجح أن «وثيقة مكة» لن تكون ملزمة لهذه المليشيات لا قانونياً ولا أخلاقياً، ولا سيما أن تصعيد الاقتتال والتناحر الطائفي أو العرقي هو أساس إنشاء هذه المليشيات وأساس بقائها وازدهارها، ومن ثم فإن تبني وتصعيد هذا النوع من الصراع يشكل مهمتها الأساسية، فهذه المليشيات، في ظل غياب سلطة الدولة وهيبتها، لا تستمد «شرعيتها» من الدولة الغائبة، ولكنها صنعت «شرعيتها» في مطبخها الطائفي أو العرقي، وذلك عبر الادعاء بأنها تحمي وتدافع عن مصالح طائفة معينة أو قومية معينة في ظل ظروف انهيار الدولة ومؤسساتها. ومن هنا، فإن الورقة الطائفية أو العرقية تبقى مبرر وجودها وبقائها، ولذلك فهى لم تشارك، ولم ترغب في أن تشارك، في اجتماعات مكة، وبالتالي فهي ليست ملزمة بها لا من قريب ولا من بعيد. وعلى الرغم من كثرة حديث الحكومة العراقية عن حل الميلشيات، فإن أجهزة الدولة ومؤسساتها لا تزال أضعف من أن تقوم بهذا الأمر، فحل الميلشيات يحتاج إلى دولة قوية تكون قادرة على فرض سيادتها وهيبتها عبر احتكار حق الاستخدم المشروع للعنف من ناحية، وتوفير ضمانات احترام حقوق مختلـِـف الأعراق والطوائف ضمن مفهوم واحد للمواطنة من ناحية أخرى، وكلا الأمرين لا وجود له على أرض الواقع.

فالمليشيات الكردية (قوات البشمركة) التي يُعتقـَـد أن عدد أفرادها يبلغ سبعين ألف مقاتل، والتي قامت ومنذ اليوم الأول بدعم القوات الأمريكية وتسهيل مهمة غزو البلاد واحتلالها، توظف اليوم عضلاتها في ممارسة وإنجاز مهمة «التنظيف العرقي» الخطرة والمبرمجة، والتي تسير قدماً في شمال وشمال شرق البلاد، تمهيداً لتحقيق الهدف القادم عاجلاً أو آجلا والمتمثل بإعلان الدولة الكردية المستقلة والعمل سريعاً على استغلال ظروف البلاد غير الطبيعية لتوسيع الرقعة الجغرافية لـ «الدولة المنتظرة»، وضمان مواردها النفطية، وذلك من دون وجه حق أو أسس قانونية أو شرعية، ضاربة عرض الحائط بسلطة الدولة المركزية. وهذه المليشيات التي تتلقى أوامرها من عائلتين كرديتين فقط، هما عائلتا السيد البرزاني والسيد الطالباني، تقوم بعمليات عنف منظم حسب الحاجة لخدمة الهدف الأسمى سالف الذكر. ومن المفارقات أن القيادات الكردية تنفي عن تشكيلاتها المسلحة صفة المليشيات، وتؤكد أنها «قوات مسلحة رسمية». لذا، فإن «وثيقة مكة» لا تعني المليشيات الكردية، وهي ماضية، من دون هوادة، في تنفيذ عملية «التطهير العرقي» التي جاءت بعد إنجاز عملية «التزوير الانتخابي»، بهدف تغيير التركيبة السكانية للمناطق المختلطة قسراً وإرهاباً.

أما المليشيات التي تتسربل برداء المذهبية الشيعية فعددها كبير. وبعيداً عن مليشيات الأحزاب والجماعات الشيعية الصغيرة، التي برزت مؤخراً على ساحة العنف الطائفي كمليشيات حزب الفضيلة أو عصابات «ثأر الله» و«انتقام الله» وما شاكلها، فإن هناك ثلاث مليشيات شيعية كبيرة تتمركز في معظم أرجاء البلاد وتتمثل بمليشيات فيلق بدر، والتنظيمات المسلحة لحزب الدعوة الإسلامي، ومليشيات جيش المهدي. فمليشيات فيلق بدر التابعة لعائلة السيد عبد العزيز الحكيم (وتمثل الجناح العسكري لتنظيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق)، أما التنظيمات المسلحة لحزب الدعوة الإسلامية، فقد تم تشكيلها في بداية الثمانينيات وبالتحديد مع تصاعد المواجهة العراقية ـ الإيرانية، ليس لخدمة مصالح الطائفة الشيعية في العراق بل لخدمة هدف انتشار الثورة الإيرانية، ثم لدعم المجهود العسكري والاستخباري الإيراني خلال أعوام الحرب مع العراق. وكان من الطبيعي أن ترتبط هذه المليشيات بصناعها وداعميها بصلات وروابط لا يمكن فصمها بسهولة. فعلى مدى سنوات طويلة، تجاوزت ربع قرن من الزمن، كانت المرجعية الأساسية لهذه المليشيات وقياداتها العسكرية والسياسية تتمثل بقيادات استخبارية إيرانية وقيادات قوات الحرس الثوري الإيراني. ومن يعُدْ إلى البيانات والبلاغات العسكرية الرسمية التي أصدرتها هذه التنظيمات العسكرية خلال سنوات الحرب، والتي تجاوز عددها المئات، يجدْ أن دعمها للمجهود الحربي الإيراني كان شغلها الشاغل.

أما مليشيات «جيش المهدي»، فقد ظهرت بعد فترة وجيزة من وقوع العراق تحت الاحتلال، وهى تتكون في أغلبيتها العظمى من مجموعة من الشباب قليلي الخبرة، والذين يتضخ من ممارساتهم أنه لا يعنيهم الدين ولا الطائفة. وكان غرض إنشاء هذه المليشيات أصلاً هو فرض سيطرة عائلة الصدر على «البيت الشيعي» في العراق، فاتُهمت أولاً بعملية التصفية الجسدية للمنافس المتوقع السيد عبد المجيد الخوئي ورفاقه والتمثيل بجثثهم في أكثر المواقع قدسية لدى الشيعة في مدينة النجف، ثم قامت بفرض حصار مسلح على مقر المرجعيات الشيعية التقليدية طوال أسابيع عدة، ومن ضمنها مقر إقامة المرجع الأعلى للطائفة آية الله العظمى السيد علي السيستاني. وكان هدف مليشيات الصدر هو توظيف الإرهاب لتأسيس قيادة السيد مقتدى الصدر وعائلة الصدر كممثل وحيد لمصالح الطائفة الشيعية، والحد من نفوذ العائلات الدينية الأخرى، ومن ثم السيطرة على زمام السلطة في الدولة. ومن الواضح ارتباط هذه بالمصالح الاستراتيجية العليا للدولة الإيرانية من ناحية، والمصالح الذاتية، السياسية والمادية، لهذه المليشيات والمتمثلة بفرض السيطرة على الدولة وخيراتها من ناحية أخرى، تمنعانها من القبول بمحتوى «وثيقة مكة». فالتخلي عن الورقة الطائفية سيعري هذه المليشيات من «شرعيتها»، فهي لا تملك شيئاً آخر يضمن استمرار وجودها ودورها وتأثيرها في التطورات السياسية في الدولة غير تصعيد التناحر والاقتتال المذهبـي.

ويقف على الطرف الآخر مجموعة ثالثة من المليشيات، وهي تتكون من عدد غير محدود من المجموعات المسلحة السنية التي برزت على الساحة بعد الاحتلال، والتي يساهم بعضها في إراقة الدم العراقي على الأسس المذهبية، كمثيلاتها من المليشيات الأخرى. وهذا الصنف من المليشيات يمكن تصنيفه إلى قسمين رئيسيين: المليشيات العراقية التي تدّعي «الشرعية» عبر مقاومتها للاحتلال الأمريكي، وترى أن حق مقاومة الاحتلال حق شرعي تصونه القوانين الدولية، وتحاول التملص من مسؤولياتها عن الاقتتال المذهبي. والصنف الثاني يتمثل بمليشيات تنظيم القاعدة ومن يدعمها، والتي تجاهر علناً بمسؤوليتها عن إراقة دماء المواطنين العراقيين والقتل والإجرام بناءً على الانتماء الطائفي، فمجموعات تنظيم القاعدة بعناصرها العربية أو العراقية تجد في الاقتتال الطائفي شرعية لوجودها، وتسعى جاهدة لدفع البلاد إلى أتون الحرب الأهلية، التي ستضمن موقعاً دائماً وآمناً لها على أرض العراق، وربما تعينها على إقامة دولتها العنصرية المتطرفة. لذا فإن «وثيقة مكة» لا تعنيها ولن تغير من سلوكها القائم على الإمعان في القتل على أساس الهوية الطائفية، وأكثر من هذا فهي تمارس العنف ضد كل من يقف في وجهها دون اعتبار للانتماء الطائفي. وإذا نظرنا إلى ادعاءات مليشيات الجماعات السنية المسلحة العاملة خارج إطار تنظيم القاعدة، بكونها غير مسؤولة عن عمليات القتل الطائفي، وأنها تمارس المقاومة ولا علاقة لها بالإرهاب، وأنها تحتفظ فقط بالمسؤولية عن قتل ما يزيد على ألفي عنصر من جنود الاحتلال، إلى جانب قتل «عملاء الاحتلال»، كما تصفهم هذه التنظيمات، من السياسيين المتعاونين وأعضاء الحكومة العراقية والعاملين في القوات المسلحة، نجد أن من الصعوبة إعفاء هذه المجموعات السنية العراقية المسلحة من مسؤولية القتل الطائفي، ومن مسؤولية حمام الدم الذي يغرق فيه العراق اليوم. فإذا كانت هذه المليشيات والجماعات المسلحة السنية حريصة حقاً على مستقبل البلاد ووحدتها وأمن المواطن واستقرار الوطن، فإن عليها واجباً ومهمة بالعمل والتدخل الجدي لإيقاف ممارسات تنظيم القاعدة وأعوانه التي تسعى إلى تعزيز الفرقة الطائفية واستباحة الأرواح والمقدسات من دون قيد ديني أو أخلاقي.

إن «وثيقة مكة» ببنودها العشرة تـُعـَد وثيقة للمبادئ الإسلامية العليا وسجلاً للقيم الأخلاقية والإنسانية التي قام على أساسها الدين الإسلامي الحنيف. وقد جاءت الوثيقة لتقول: إن العنف والقتل والاعتداء باسم الانتماء الطائفي أمور ليست من الإسلام في شيء. ولكن الواقع الميداني المؤلم في العراق يبدو بعيداً كل البعد عن هذه المبادئ. فالأطراف التي تمارس العنف اليوم على الساحة العراقية، بجميع مشاربها وأطيافها، لها أهدافها ومراميها الخاصة والمحددة، وعنصر الغيرة على الوطن والمواطن لا يدخل في حساباتها. كما أن لها مرجعياتها السياسية والدينية التي تمارس رسم السياسة بمعزل عن القيم العليا للدين الإسلامي أو محتوى «وثيقة مكة». فهذه المليشيات تعيش بنشوة وإغراءات السلطة من خلال ممارسة القوة والعنف بعيداً عن سلطة الدولة وسيادة القانون، بالإضافة إلى نشوة النفوذ السياسي وحتى الاعتراف الدولي، وتخطط كل منها إما لفرض السيطرة الكاملة على الدولة وخيراتها، أو الاستحواذ على جزء من الدولة لتأسيس دولتها الطائفية أو العرقية والتمتع بخيراتها. وإذا كان المتفائلون ينتظرون خيراً من إقرار «وثيقة مكة»، إلا أن المصالح على الأرض أقوى من الوثائق، وإن الواقع الميداني المرير والمرعب على أرض العراق هو الحقيقة. ومن هنا، فإن أمن واستقرار العراق ضرورة أساسية للأمن والاستقرار الإقليمي والخليجي بالذات، ولا يمكن النظر إلى أمن العراق بمعزل بعد الأمن الإقليمي، ولذا يتعين على جميع الأطراف الإقليمية والدولية الحرص على أمن واستقرار العراق، فدولة تُحكم من قبل المليشيات لن تكون إلا عبئاً وخطراً على جميع الدول المجاورة وعلى الأمن والاستقرار الدوليين.

ومن هذا المنطلق، فإن نزع سلاح المليشيات وتفكيك هيكليتها العسكرية والسياسية لا يمكن إنجازه من دون ترسيخ مؤسسات الدولة، وإعادة تشكيل القوات المسلحة العراقية لتصبح القوه الضاربة في وجه الذين عبثوا بأمن البلاد ووحدتها، فالأمن أهم من الديمقراطية، ولا ديمقراطية من دون أمن. على أن يتم دعم أي مجهود في هذا الاتجاه بقرار من مجلس الأمن الدولي، يستند إلى الفصل السابع من الميثاق يطلب من جميع الدول الإقليمية الالتزام بقرار حل المليشيات ويلزمها، تحت طائلة العقوبات، بالتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق والتخلي عن دعمها واستغلالها لهذه المليشيات. فمن دون قوة جبارة تستمد شرعيتها من دورها في إنقاذ الوطن والمواطن من براثن المليشيات وتقوم على الأرض بحل ونزع سلاح هذه المليشيات وتصفية عناصرها، إذا دعت الضرورة، فلا أمل في بناء عراق موحد وآمن وديمقراطي.

* كاتب سعودي ورئيس

مركز الخليج للأبحاث