الحك أو التدخين

TT

هناك الآن حملات مكثفة في معظم الدول ضد التدخين حتى أصبح المدخنون يعانون من التمييز العنصري ويؤهلهم في رأيي الى المطالبة بحمايتهم بوثيقة حقوق الإنسان. وقد سألني احد الزملاء عن رأيي في الموضوع. قلت: لا رأي لي فأنا لم أدخن في حياتي غير سيكارتين. وكلتا الخطيئتين ترجعان للمرأة . آه حواء! دخنت السيكارة الأولى على مسؤولية والدتي رحمها الله بعد أن أوهمتني بأن الدخان سيهدئ وجع أسناني. والثانية على مسؤولية غادة السمان التي أرادت أن تثبت للحاضرين بأن بإمكان حواء أن توقع الرجل لا بأكل التفاحة فقط بل بتدخين سيكارة ايضا.

قال صاحبي: سيكارتان فقط وتسمي نفسك كاتبا محترفا؟

قلت: نعم، فالسيكارة مجرد وسيلة لإعطاء الكاتب متنفسا واسترواحا. وهناك من يجد ذلك في الأكل. أعرف بعض الزملاء يضعون بجانبهم صحنا من الفستق أو اللب أو الشكولاته. وهناك غيرهم يشغلون أنفسهم بالشرب. أو اللعب بالمسبحة.

قلت ذلك، فقال: وأنت كيف تستروح أثناء الكتابة؟

قلت له: بالحك. كلما استعصت علي فكرة واضطربت الكلمات، بادرت الى حك رأسي. هذا هو السر في صلعتي. لقد فقدت شعر رأسي من كثرة الحك. وإذا مللت من حك رأسي، انتقلت الى حك صدري أو بطني، أو التجأت الى فرك أصابع قدمي. الإنسان أعظم رأسمال في الحياة، قال كارل ماركس. فجسمنا يعطينا حتى هذه النعمة، نعمة الحك. وهي من نعم الله التي طالما أغفل ذكرها العلماء. لهذا اجلس في مكتبي وقميصي مفتوح وسروالي مفكوك وحذائي في زاوية وجواربي في زاوية اخرى، وكأنني على أبواب شوط من المصارعة الحرة، وأكتب.

ربما يتساءل المرء، كيف يسمحون لي بذلك وحولي كل هؤلاء الزميلات المحررات والكاتبات؟ الجواب هو انني لا اكتب في مكاتب الجريدة وإنما في البيت. وقد أدخلت في عقد الزواج بندا يعطيني حق ممارسة الحك في البيت. وكله بسبب الحك الفكري أو الفكر الحكيّ الذي عرف عني. وهو أسلوب أوصي به لكل من يمارس الكتابة والبحث. فهو على خلاف التدخين لا يورث السرطان، وعلى خلاف الأكل لا يؤدي الى السمنة وارتفاع الكولسترول. وهو أيضا اقتصادي لا يكلف صاحبه شيئا أو يرهق الاقتصاد الوطني. كل ما تحتاجه هو أظافر نظيفة قوية. وهذه أعطاها لنا سبحانه وتعالى من فضله. وهي لا تبلى أو تستهلك ، بل تنمو بالزمن وتتحسن وتنعم بالاستعمال.

والحك من أظرف الممارسات الشخصية ويعطي الحاك أو الحاكة متعة نادرة تشحذ الذهن وتوسع الفكر. وهو ينشط الدورة الدموية ويقضي على الكآبة ويزيد من تعرف الإنسان بجسمه. كم وكم من الرجال اكتشفوا وجود السرة في بطنهم بفضل الحك العفوي. وهو أيضا يقوي الذكاء والفطنة كما نلاحظ ذلك في القردة التي تغرم بالحك، وهو من الأشياء التي ينبغي أن نتعلمها ضمن ما تعلمناه من القردة.

والحك أنواع، ذكر منها الشيخ أبو الفضل الحكحكاني اثني عشر نوعا في كتابه القيم: «نهاية المحك في أصول الحك». وهي تبدأ باللمس واللمص والدعك والدلك وتنتهي بالهرش والمرش. أنا شخصيا أقتصر على اللمص عند كتابة المقالات الخفيفة، ولكنني غالبا ما أجد نفسي أنحدر تدريجيا الى الهرش كلما تعرضت لمشاكل العراقيين. وفي كل الأحوال، أشير على كل الزملاء من صحافيين ومؤلفين وفنانين بالإقلاع عن عادة التدخين واستبدالها بالحك. وبالنظر لكل ما ذكرت، وطالما انشغل المسؤولون في هذه الأيام بتنقيح مناهج الدراسة، فأعتقد أن من الضروري إدخال هذا الدرس الجديد، وهو الحك وأساليبه وفضائله بدلا من كل هذه الدروس العقيمة التي يحشرون بها عقول أولادنا. وهناك فرصة للعاطلين في فتح صالونات على غرار صالونات الكوافير والماكير تخصص لتقديم خدمات الحك والتدريب عليه. وهو ممارسة لم تنه عنها أي شريعة سماوية أو غير سماوية وتكاد تصبح الشيء الوحيد الذي لا يخضع للرقابة أو الجمارك أو المخابرات في هذه الأيام.