اختزال القضية

TT

في بعض الأزمات السياسية يكون الغرق في التفاصيل اليومية والأجزاء الصغيرة للمشكلة نوعا من الهرب من الصورة الأكبر للمشكلة بما يؤدي الى انصراف التفكير في الأصل الى المتاهات الصغيرة ليمضي الوقت والمشكلة تأكل نفسها بنفسها.

ولعل هذا ما كان في ذهن العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني الذي حذر عدة مرات في الشهور الاخيرة من انه إذا استمر الوضع على ما هو عليه فلن يبقى شيء للتفاوض عليه في القضية الفلسطينية بعد عامين.

وعلى السطح حاليا ومنذ عدة شهور اختزلت القضية الفلسطينية سواء بقصد او بدون قصد في الجزئيات الصغيرة، وأصبحت عناوين اخبارها تدور حول مفاوضات صفقة تبادل الجندي الاسرائيلي الاسير بالأسرى الفلسطينيين او مفاوضات تشكيل حكومة وحدة وطنية، مع المتاعب اليومية التي يعيشها الفلسطينيون نتيجة عدم وجود اموال وحكومة لا يريد العالم التعامل معها، او الانفلات الامني الذي وصل الى حدود خطيرة في غزة.

وخارج هذه الأطر التي هي في النهاية مجرد جزئيات، لا يوجد ما يوحي بأن هناك تفكيرا او استراتيجية جادة في اتجاه إعادة تنشيط مفاوضات السلام، وهو الطريق الاستراتيجي الوحيد للصورة الاكبر والحقيقية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

فالأطراف الخارجية المؤثرة في انتظار ترتيب الوضع الفلسطيني من الداخل، والوصول الى صيغة حكومة، تقبل بما ترفضه حكومة حماس وهو الاعتراف بإسرائيل.

وفي عملية الانتظار هذه، التي استغرقت شهورا، وكر وفر سياسي، وتعهدات يعلن عنها ثم يتبين أنها ليست صحيحة، يتآكل الموقف الفلسطيني، وتتآكل الاهداف لصالح القفز في المجهول، بينما تقترب الادارة الاميركية المشغولة بمشاكل العراق وإيران وكوريا الشمالية من الجزء الثاني لفترتها الثانية والمرجح ان تكون فيها اقل اهتماما بمبادرات خارجية كبيرة، خاصة في قضية معقدة احترقت فيها اصابع الادارة الديمقراطية السابقة من دون ان تحصل على نتيجة.

وطبيعي في ظل وضع كهذا لا يوجد فيه أفق سياسي واضح، ان يزداد الانفلات الأمني، ويصبح الحكم للميليشيات والمسلحين في الشارع الفلسطيني، وتزداد حدة الاحتقان السياسي والاتهامات المتبادلة والتي وصلت الى حد توقع انقلاب عسكري، بينما يدفع الفلسطيني العادي الثمن مرتفعا سواء في حياته المعيشية اليومية ورزقه، او أمنه الشخصي مقابل لا شيء تقريبا باستثناء شعارات وتغني بقذائف صاروخية محدودة الفعالية تطلق من هنا او هناك لتحدث بعض الحفر او خسائر محدودة.

والمؤكد ان بداية خيط الحل هو حسم مسألة الحكومة حتى يعود التمويل الدولي الى الاجهزة الفلسطينية وتحل مشكلة دفع المرتبات، لكن مع الخلاف الايديولوجي الحاد القائم حاليا بين حركة ترفض الأساس القانوني الذي فازت في إطاره بالانتخابات التشريعية السابقة وأخرى أسست سلطة قامت على أساس اتفاقات دولية وترتيبات سلام اقليمية ودولية، يصعب تصور كيف يمكن ان يكون طريق التفاوض مفتوحا ما لم تكن هناك قرارات شجاعة تجعل من الممكن صياغة استراتيجية فلسطينية في إطار الشرعية الدولية لتعيد وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته وتعيد طرح الصورة الكلية للمشكلة على طاولة المفاوضات، وليس الصورة المختزلة.

والمسؤولية هنا تقع على حركة حماس، لأن الطرف الآخر لديه رؤية معلنة منذ سنوات بشأن التفاوض، بينما تطرح حماس حلولا وهمية أشبه بعرض الهدنة الخجول والمعروف مسبقا أنه لن يرضي أحدا.