العالم معه وهو ضد نفسه

TT

العرب منقسمون حول لبنان. والدول الكبرى منقسمة حياله. واللبنانيون منقسمون حول انفسهم. وكل ذلك لا يوحي بأن لبنان بلد يتمتع باهتمام العالم اجمع، دون سواه، بل العكس. الدول السعيدة هي التي ينسى العالم انها موجودة الا عندما يكلف موظف البريد ان يبرق لها في الاعياد الوطنية. كوستاريكا دولة سعيدة لانها اكتشفت انه لا حاجة الى الجيش. مجرد جهاز من الشرطة والعقبة لطالبي الطمأنينة. لبنان جاءته جيوش العالم وسفن الدول تملأ بحره الجميل، والقرارات الدولية تعصب رأسه، وهو بلد خائف وحزين. والذي يهدده بالعنف هم سياسيوه. وهؤلاء يهددونه بالزوال لأنهم يريدون حكومة «وحدة وطنية». والوحدة الوطنية تعني انا او لا احد عند الجميع. والنائب ميشال عون يعتبر ان وجود اي مرشح غيره لرئاسة الجمهورية خيانة عظمى. والرئيس اميل لحود الذي اشرف على اخراج عون من القصر الجمهوري بالطائرات والدبابات قبل عقدين، يقول اليوم انه لن يسلم الرئاسة إلا للجنرال عون. وحلفاء سورية آنذاك هم خصومها اليوم. ولا يحتاج تغيير المواقع والمواقف في لبنان الى الكثير. ولذلك يحتاج لبنان نفسه الى سياسيين آخرين. واحياناً اشعر ان لبنان يحتاج الى شعب آخر، يحبه بقدر ما يحب نفسه. كلما تحدثت الى اجنبي تأوه وقال: «آه ما اجمل لبنان». ويكون جوابي الصامت، آه عليه. ويقول الشاعر صلاح ستيتية «بين اللبناني وبلده هناك علاقة معقدة من الحب والرفض، وما فيهما من غموض».

كل لبناني يريد لبنانه وحده والا لا يريده ولا يقبله، فإما ان يقتله وإما ان يهجره. قطعة صغيرة جميلة من الارض وصراع ديوك دائم. وصراع الديوك لا ينتهي الا بانهاء واحد من الاثنين. والاكثر قساوة وفظاظة من الديوك هم المتفرجون الذين لا يرتوون من الدماء السائلة على الحلبة.

بعض الكلام الذي نسمعه في لبنان يخضع في اي بلد آخر لقانون العيب. وبعضه لقانون الخيانة. وبعضه لقانون التحريض. ولكن لا وجود للقانون في لبنان. ايضاً لأن كل لبناني يعتبر ما يقوله هو القانون وما يفعله هو الدستور وما يريده هو الحق. ولذلك انتهت طاولة «الحوار الوطني» التي دعا اليها رئيس البرلمان نبيه بري الى التفرق والاتهامات. وها هو الآن يدعو السياسيين الى «التشاور» فربما كان ذلك اكثر سهولة عليهم. والارجح ان التشاور سوف يلحق بالتحاور. فالقواسم المشتركة غائبة. ومفهوم الوطن مستحيل. ومفهوم الدولة كاريكاتور غير مضحك على الاطلاق. واللغة التي يحكيها السياسيون لغة إلغاء وتهديد وتعابير عديمة الذوق وخالية من الكياسة وغالباً فارغة ومكررة لا تعني شيئاً لأحد، خصوصاً لقائلها، او مكررها. وكنت اتمنى ان اكون اكثر تفاؤلاً، لكن الذي يسمع سياسيي لبنان يضطر الى حذف كلمة تفاؤل من الذاكرة.