السذاجة في خدمة الخبث

TT

الإشاعة ثلاث مراحل: رديء يؤلفها، وساذج يصدقها وغبي ينقلها. والناس في الغالب تميل إلى تصديق الإشاعات ضد من لا تحب، مهما بدت غير معقولة، أو بعيدة عن التصديق. وعندما تنتقل الإشاعة وتنتشر، تصبح أكثر إلحاحاً على الجماعة برمتها، لا فرق بين ساذج وذكي. وقد شهدت كيف بدأت حرب لبنان بالإشاعات قبل المدافع. وكان لكل حارة إشاعتها ولكل منطقة أكذوبة تخضها أو تثيرها. وكانت الناس تصدق وتظل مصدقة حتى بعد مرور الوقت والتأكد من أن ما قيل كان كذباً أو افتراء أو تحريضاً.

وأسوأ علامات الحال في لبنان اليوم عودة الإشاعات. وظهور الرديء والساذج والغبي. وكانت كليات الإعلام تعرض في دروسها فيلماً للباحث الاميركي «ابير». وهو فيلم قصير يروي قصة بسيطة جداً من حياة أميركا في الماضي: رجل ابيض ورجل اسود يتشاجران، فيقدم الأبيض على قتل الأسود. وخرج أول مشاهد من الفيلم وروى الحكاية مع قليل من المبالغة. وأضاف إليها الثاني قليلاً من التفاصيل. واستخدم الثالث مخيلته. أما الرجل السابع الذي سمع القصة فقد رواها على أن الرجل الأسود هو الذي قتل الرجل الأبيض.

حدث لي مرة أن أخبرت صديقاً لي أن صديقاً سياسياً ذهب إلى العراق لمقابلة أقربائه هناك. وفيما نحن جالسان في المقهى وصل رفيق ثالث، وقبل أن يلقي التحية هب صاحبي واقفاً وقال له، «هل تدري أين السياسي فلان؟ لقد ذهب إلى العراق للتآمر». وما أن حل المساء حتى كان هذا العبيط قد حوّل روايته إلى أن السياسي لن يعود إلى لبنان لأنه حاول تدبير انقلاب واعتقل. وفي اليوم التالي التقيت السياسي الذي كان صديقاً حميماً. وقلت له، ماذا حدث، الم تسافر إلى العراق، فقال: «لقد تغيرت كل مشاريعنا. بدل أن نذهب نحن لزيارة الأقرباء قرروا أن يأتوا هم، لأنهم هكذا يقابلون جميع أفراد العائلة ويرتاحون قليلا من حر بغداد».

وبعد أيام التقيت الصديق العبيط. وكان له شدقان مثل وحيد القرن. وقبل أن يتخذ مقعده في المقهى، قال «هل عرفت آخر خبر. صاحبك معتقل في العراق ولا بد أن تقوم أزمة دبلوماسية مع لبنان». وضحكت. وذكّرته بأنني أنا من اخبره برحلة العراق. ثم قلت: «وأنا مدين لك باعتذار شديد. لقد غير صديقنا جميع مشاريعه وبقي هنا وسوف ينضم الينا بعد قليل». وقام وحيد القرن ومشى معتذراً بأنه على موعد. ثم هرول. ثم اختفى. ثم تاب عن نقل حتى أخبار الأعراس.