التيار الإسلامي في المغرب.. لاعب متميز وقوي له ايجابيات اذا ما شارك في الانتخابات القادمة

TT

تستعد القوى السياسية المغربية للانتخابات التشريعية القادمة في العام القادم وكما قال الكاتب «السيد ولد أباه» في مقاله المنشور (5/6): «ويتفق مراقبو الشأن المغربي أن التيار الاسلامي غدا يمثل أحد المحددات الأساسية في الحقل السياسي، وستكشف الانتخابات القادمة عن حجمه الفعلي وطبيعة استراتيجياته، ونمط علاقته بباقي التشكيلات الموجودة في الساحة المغربية».

هذه الفقرة تحدد أهم التحديات التي تواجه الحركة الاسلامية في المغرب الآن، ويتوقف حجم التأييد الشعبي المتوقع للتيار الاسلامي على حسمه لعدة قضايا وكيفية مواجهته لعدد من التحديات. وهذا يقتضي إلقاء نظرة سريعة على الخارطة الاسلامية في المغرب الآن وعلاقة القوى والفصائل الاسلامية ببعضها البعض، وقدرتها على حسم الخلافات في ما بينها ثم تفعيل التنسيق والتعاون لمواجهة الاستحقاق الانتخابي القادم.

واذا كانت الجماعتان الرئيسيتان المعبرتان عن غالبية التيار الاسلامي المغربي هما «العدل والاحسان» من جهة، وحزب «العدالة والتنمية» المعبّر عن حركة «الاصلاح والتوحيد» التي هي حصيلة اندماج فصيلين اسلاميين منذ خمس سنوات تقريباً هما «حركة الاصلاح والتجديد» و«رابطة المستقبل الاسلامي» إلا أن المشهد الاسلامي المغربي أشد تعقيداً وتركيباً وتداخلاً.

ففي البداية نجد أن الملكية المغربية كمؤسسة لها بعد ديني، حيث يُلقّب الملك بلقب «أمير المؤمنين» وهناك جدل في أوساط الاسلاميين حول دور المؤسسة الملكية والمدى الذي ينبغي أن تذهب إليه وهل تكون «ملكية دستورية» تملك وتمارس دوراً في الحكم والتوجيه حيث تحتفظ المؤسسة الملكية بتدخل كبير في الحياة السياسية من خلال وزارات السيادة ومنها وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية التي لعبت دوراً كبيراً في مواجهة خطة الحكومة الحالية (اليوسفي) لإدماج المرأة في التنمية. وكشف الوزير السابق «سعيد السعدي» كاتب شؤون المرأة والطفل وأحد وزراء أحد أحزاب الائتلاف الحاكم عن دورها في مذكراته التي أدلى بها لصحيفة «الصحيفة» المغربية في عدة أعداد خلال الأيام الماضية. ويؤيد الوزير المدغري (الأوقاف) بشدة ادماج التيار الاسلامي في الحياة السياسية بينما يرى آخرون أن تحول المغرب، كما يريد فصيل اسلامي صغير «البديل الحضاري»، الى ملكية تملك ولا تحكم، وتبقى حكماً بين الأحزاب وضماناً للتحول الديمقراطي مثلها مثل ملكية انجلترا. وتؤيد هذا التوجه أصوات وأحزاب يسارية تشترك مع هذا الفصيل الاسلامي في حوار منذ مدة أسفر عن توجيه «نداء الديمقراطية» في 11 يناير 2001 وقد أكد هذا النداء على المطالب الآتية:

1 ـ الديمقراطية ودولة الحق والقانون في ظل اصلاح دستوري وسياسي حقيقي.

2 ـ العدالة الاجتماعية.

3 ـ الوحدة الوطنية بشقيها الترابي والثقافي.

4 ـ بناء الوحدة المغاربية، وتدعيم أواصر الأخوة العربية الاسلامية، والتعاون الافريقي، والانفتاح على المحيط الدولي.

وقد دخلت حركة «العدل والاحسان» على هذا الخط بتوجيهها انتقاداً شديداً للمؤسسة الملكية في عهد الملك الراحل «الحسن الثاني» في الرسالة الشهيرة التي وجهها مرشد الحركة «عبدالسلام ياسين» بعنوان «الى من يهمه الأمر» والتي أدت الى توتر العلاقات بين هذه الجماعة الشعبية واسعة الانتشار وبين الحكومة ما أدى في النهاية الى توقيف صحيفتها الاسبوعية «رسالة الفتوة» كما أدى الى مصادرة الكتاب الأخير للاستاذ ياسين والصادر بعنوان «العدل: موقف الاسلاميين من الحكم».

البودشيشية ولا يخفى على المراقب أن الشارع المغربي متفائل بالأداء الجيد للملك الشاب «محمد السادس» وتأكيده على اسلامية المغرب وثوابته الدينية وكذلك استمرار التحول الديمقراطي في عهده، وإزاحة وزير متنفذ ساهم في احتقان الأجواء بين المؤسسة الملكية وبين أحزاب وقوى المعارضة «ادريس البصري» واهتمامه بأحوال المهمشين والفقراء في المملكة.

وتأتي الحركة الصوفية المنتشرة حالياً في المغرب «البودشيشية» تالية في التأثير بعيداً عن ملاحظة المراقبين والسياسيين، وقد أدهشني في حوار بالقطار مع أحد الصحافيين حول تلك الظاهرة التي تنتمي إليها شرائح عديدة من الشعب المغربي: وزراء وجنرالات وسياسيون مختلفو المشارب وأساتذة جامعات بارزون وشباب وفتيات...إلخ، ان قامت إحدى الفتيات (18 سنة) المتابعة لحوارنا بديوان القطار باخراج كتاب «دلائل الخيرات» من حقيبتها واعلانها أنها منتمية حديثاً الى الطريقة التي يرأسها «الشيخ حمزة بن العباس» وتتوافد على مقره شرق المغرب وفود عديدة خاصة من الاعلام الغربي، وتمتد طريقته الى بلاد المهجر، وكانت الفتاة سافرة وعلمنا منها انها تعمل مصممة أزياء وان لقاءات اسبوعية منتظمة يشهدها عديد من النساء والشابات خاصة بهن.

فهل تصب هذه الحركة المنتشرة والمتجذرة في التراب المغربي الذي احتضن طرقا صوفية مجاهدة عديدة مثل التيجانية وغيرها، هل تصب عند التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية أم تتوزع أصواتها على كل القوى السياسية؟

وجدير بالذكر ان جماعة العدل والاحسان ينحتها بعض المراقبين انها أيضاً أشبه بحركة صوفية سياسية ثورية مجاهدة حيث انتمى مرشدها عبدالسلام ياسين الى طريقة «البودشيشية» في بداية التزامه الاسلامي ثم انفصل عنها بعد وفاة الشيخ العباس، والد شيخ الطريقة الحالي حمزة.

وتمثل أصوات المنتمين والمتعاطفين مع العدل والاحسان وهم لا يستهان بهم بعداً آخر مهماً في حسم نتائج الانتخابات القادمة، ويتوقف هنا على قرار الجماعة إما بالمشاركة في الانتخابات كمستقلين أو من خلال حزب سياسي قائم، وهذا مستبعد في ظل توجهات الجماعة الحالية التي مازالت تراوح مكانها حول مسألة المشاركة في نظام ديمقراطي، وإما بالتصويت فقط، وهنا يثور سؤال: لمن يكون اتجاه التصويت، علماً بأن التسجيل في جداول الانتخابات يسبق العملية الانتخابية ويعد مؤشراً على توجه الجماعة.

وهنا تتبادر الى الذهن امكانية التنسيق بين الجماعتين الكبيرتين: العدل والاحسان وحركة الاصلاح والتوحيد وذراعها السياسي حزب العدالة والتنمية. وقد ظهر التنسيق العام الماضي بين الحركات الاسلامية جميعها في المسيرة المليونية التي شهدتها الدار البيضاء ضد خطة ادماج المرأة في التنمية التي تبنتها الحكومة وأيدها اليسار وتعتبر تطبيقاً أميناً لمقررات مؤتمرات السكان والمرأة التي عقدتها الأمم المتحدة ويعتبرها التيار الاسلامي العريض وجمهور الأمة خروجاً على مقتضيات ومقررات الشريعة الاسلامية.

الإصلاح تفويض وقد أخافت هذه المسيرة وقوة التنسيق فيها أطراف الحركة السياسية المغربية كافة، خاصة التيار العلماني واليساري، فظهر الحديث عن اكتساح وتوقع للبرلمان المغربي، وظهرت حملة تخويف قادتها صحيفة «الأحداث» ضد التيار الاسلامي بينما ظهرت حملة تهدف الى زرع الشقاق في الصف الاسلامي أدى إليها نشر وثيقة للنائب الاسلامي المثير للجدل «عبدالإله بنكيران» صاحب الصوت العالي في الأوساط الاسلامية، ونشرتها صحيفة «الصحيفة الاسبوعية» في عدد 3/13 وحملت العناوين الآتية:

- يجب تجنب الاكتساح في الانتخابات، فتوسيع حضورنا مرتبط بدرجة القبول بنا.

- التحالف مع العدل والاحسان أمر غير وارد.

- الحاجة قوية لملكية تحكم، والاصلاح تفويض وليس تنازلاً عن الاختصاصات التنفيذية.

- الحزب «العدالة والتنمية» يفتقر لأمين عام قادر على تأطير حركة الحزب.

وبنشر تلك الوثيقة تم فتح الجدل على مختلف الجبهات بين كافة الفصائل الاسلامية بل داخل الحزب الاسلامي الوحيد الممثل في البرلمان الحالي بـ14 نائباً نشيطاً يقودهم المحامي النشيط «مصطفى الرميد» الذي انتقل منذ فترة لموقع المعارضة بدلا من مساندة الحكومة.

وتوالت الانتقادات في العدد التالي من «الصحيفة» من داخل الحزب ومن خارجه ونشر الحزب توضيحاً ونشر عبدالإله اعتذاراً للدكتور عبدالكريم الخطيب أمين عام الحزب الذي احتضن شباب الحركة الاسلامية في حزبه وقبل تغيير اسم الحزب وخاض بهم الانتخابات الماضية (1997) مما أدى الى فوز معقول نقل الحركة الاسلامية الى داخل أحدى أهم مؤسسات الحكم المغربي وهي الغرفة الأولى «مجلس النواب» من البرلمان.

ويتوقف حجم تمثيل التيار الاسلامي المغربي في البرلمان القادم على عدة اعتبارات في ضوء السرد السابق وهي:

ـ حجم المشاركة السياسية وهل ستكون محدودة أم واسعة.

ـ القدرة على التنسيق مع التيارات الاسلامية المتعددة.

ـ اطمئنان المؤسسة الملكية للدور الذي يمكن أن يلعبه التيار الاسلامي في الحياة السياسية المغربية من خلال الأداء الفعلي طوال الفصل التشريعي الحالي.

ـ الحوار مع القوى السياسية الأخرى خاصة حكومة الائتلاف الحالية اليسارية، وبقية تيارات اليسار التي تهاجم التيار الاسلامي.

ـ نزاهة الانتخابات ومدى شفافيتها، حيث شهدت الانتخابات السابقة اتهامات كبيرة بالتزوير، وتنازل أحد الفائزين عن حزب الاتحاد الاشتراكي عن مقعده بالدار البيضاء في سابقة فريدة رافضاً الحصول عليه عن طريق التزوير مما أدى الى فوز المرشح الاسلامي في الانتخابات التكميلية.

ـ إقبال الشعب المغربي ـ خاصة المتدينين ـ على المشاركة في الانتخابات.

وفي النهاية لابد من الاشارة الى الايجابيات التي تتم من خلال ادماج التيار الاسلامي في الحياة السياسية حيث:

ـ يتم تفعيل الحياة السياسية بلاعب جديد متميز قوي مما يشعل المنافسة ويؤدي الى حيوية ونشاط في الساحة المغربية.

ـ إقناع بقية المترددين من التيارات الاسلامية بجدوى المشاركة السياسية وبأهمية التغيير من خلال العمل السلمي الديمقراطي فيقلع هولاء عن العنف كوسيلة للتغيير مما يؤدي الى حقن الدماء.

ـ رسالة قوية الى الدول المجاورة التي تعاني من آلام التعامل مع التيار الاسلامي الذي يعلن تمسكه بقواعد الديمقراطية ومع ذلك لا يلقى إلا الاقصاء والنفي مما يؤهل المملكة المغربية للعب دور بارز في الاتحاد المغاربي.

ـ رسالة الى الغرب الذي يتمسك بالديمقراطية ويطالب بتطبيقها في بلاد المغرب العربي، وهذه رسالة مزدوجة تعني امكانية التمسك بالهوية الاسلامية الأصيلة للمغرب وتطبيق آليات الديمقراطية في نفس الوقت.

* كاتب مصري ونائب سابق في البرلمان عن الإخوان المسلمين