الأكراد والعرب.. حب من طرف واحد

TT

حال الاكراد مع العرب تشبه حال الحبيب المتيم مع الحبيبة المنصرفة عنه كلية الى غيره، لا ترد على سؤال ولا تستجيب لطلب منه.

والمناسبة المحددة لهذا الكلام الذي توجد له على الدوام مناسبة، هي ندوة الابحاث التي عقدت مطلع الشهر في مدينة اربيل، عاصمة الاقليم الكردي العراقي، ونظمها «معهد العراق للاصلاحات والثقافة الديمقراطية»، وهو منظمة غير حكومية، ودعمت الندوة ماليا مؤسسة «ويستمنستر فاونديشن فور ديموكراسي» وهي منظمة بريطانية غير حكومية ايضا.

كان موضوع الندوة التعاون الاقليمي واهميته لشعوب المنطقة وبلدانها، وخصوصا العراق وسورية وايران وتركيا التي يتوزع عليها الاكراد. وشددت الابحاث فيها على ضرورة قيام علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وثيقة بين هذه البلدان وحل مشاكلها سلميا وإبعاد كل شبح للصراع العسكري لكي تستثمر الثروات الطبيعية والطاقات البشرية الهائلة لهذه البلدان في خير شعوبها.

شارك في الندوة باحثون وكتاب عراقيون من مختلف القوميات (العرب والاكراد والتركمان والاشوريون)، وكان من المفترض ان يشارك ايضا برلمانيون وحقوقيون من سورية وتركيا وايران وجهت اليهم الدعوات منذ ستة اشهر على الاقل فقبلوها واكدوا غير مرة انهم اعدوا انفسهم للحضور الى اربيل والتحدث في الندوة.. لكن في الايام الاربعة او الثلاثة السابقة لموعد انعقاد الندوة وصلت اعتذارات من انقرة وطهران ودمشق، ولم يتردد بعض المعتذرين عن الافصاح صراحة عن منع سلطات بلاده له من التوجه الى عاصمة الاقليم الكردي العراقي.

مفهوم ومتوقع المنع الايراني والمنع التركي، فطهران حساسة تجاه قضية الاكراد، وانقرة مصابة بحال مزمنة ومتفاقمة من الرهاب حيال هذه القضية. لكن غير المفهوم هو الموقف السوري الذي يعكس موقفا عربيا تقليديا من قضية اكراد العراق لا نخاله صحيحا.

نعرف ان المسؤولين السوريين لو سئلوا عن سبب المنع لافادوا بانهم انما يتجنبون التدخل في الشؤون الداخلية للعراق.

العرب الآخرون كان لهم على الدوام موقف مماثل بشأن القضية الكردية في العراق، وهو موقف تعوزه الحكمة ، فالنتيجة العملية له ان العرب تركوا قضية اكراد العراق عرضة للتدخلات الايرانية والتركية والاميركية والبريطانية والفرنسية وغيرها فيما يغيب العرب وحدهم عن مشهد هذه القضية.

نعرف ان الحكومة العراقية حساسة للغاية حيال اي اتصال خارجي (عربي او اجنبي) بالاكراد. لكن هذا الموقف يضر بالعرب والاكراد على السواء. فاكراد العراق يكرهون التدخلات الايرانية والتركية وغيرها في شؤونهم. فهي تثقل عليهم كثيرا، لكن ما يجبرهم على تجرع مرارة هذه التدخلات هو الامرّ منها: سياسات الحكومة العراقية المتوحشة والموقف العربي غير المبالي بما يجري هناك بحجة عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية.

الاكراد يحبون الحضور العربي الى قضيتهم. لكنه حب من طرف يعاني منه الاكراد الآن، وسيعاني العرب من نتائجه اكثر في المستقبل.

a.hussein&asharqalawsat.com