إلى عمرو موسى

TT

كانت المهمة الاولى لعمرو موسى في امانة الجامعة العربية الاشراف على المساعدات العربية المخصصة لدعم الانتفاضة. وبالاضافة الى اهميتها وحجمها المعنوي فهي مهمة دقيقة ومعقدة وامتحانية. وتكليف الدكتور موسى يضع الفريقين على المحك: الدول المانحة والسلطة الفلسطينية. فلا عذر للاولى في التلكؤ ولا عذر للثانية في اتهام الاولى بالتقصير.

وأحب ان اوجه للدكتور موسى بضع كلمات خاصة اتمنى ان يتقبلها كما هي: هذا الوهج الذي جئت به الى الجامعة، يجب ألا يبهت. وهذا الحماس الذي تجره خلفك منذ عشر سنين يجب ألا يتحول الى ركام آخر من ركامات الجامعة وبيروقراطيتها وسلبيتها واتكاليتها وشعورها بالنقص والعجز والاضطهاد، فإما ان تكون قادراً على التغيير ونفض الغبار وبعث الهِمة وتحديث العتق وتقليم مظاهر التنبلة والخوة والفشل، وإما تحمل نفسك وتمشي، تاركاً التكايا لاصحابها والمحسوبيات للمحسوبين والتنفيعات للنفعيين.

خلفك سيرة لا تسمح لك بأن تجيرها لأحد. ولا يجوز ان تكون وزير خارجية ممتازاً ثم تصبح اميناً عاماً عادياً. وليس مقبولاً لك او منك ان تكون الامل الاخير للجامعة والاخفاق الاخير. فسوف يصعب من بعدك ان تستمر التجارب. وسوف يصعب على الاجيال الجديدة الاستمرار في قبول هذا الترهل. وسوف يصعب على الدول العربية الاستمرار في قبول جامعة «مصرية» بأمينها ومقرها واتجاهاتها، ما لم يبرر موسى جدوى ذلك كله.

ثمة ثقة عربية بك واجماع عربي عليك. والتعبير عن ذلك ليس في اغنية شعبية كتب لها الحظ والرواج، وانما هو في ادراك اصحاب القرار العربي لمدى اهليتك السياسية والادارية والدبلوماسية. ومكانك عند العرب ليس اقل من مكانتك في مصر، لكن ذلك كله يزيد في مسؤولياتك وفي دقة مهمتك، وخصوصاً في سرعتها. فإذا لم تكن آتياً لتجعل الجامعة شبها لك فلا مبرر، لا لخروجك من الوزارة، ولا لمجيئك.

لقد سارعت الحكومة المصرية الى اعلان ترشيحك لكي تقطع الطريق على اي مطالبة عربية بنظام التناوب في الامانة. وطرحت اسمك لانها تعرف انك موضع اجماع، وان اي مرشح آخر لن يكون مقنعاً ولا مُبرراً. وعلى مصر ألا تترك المسألة عند هذا الحل المريح، بل ان تدعمك في ما هو اهم واعمق وابعد مدى، اي نفض الجامعة واعادة هيكلتها وتغيير معالمها وملامحها ونزع صفة التكايا وسمعتها عنها.

إما ان تكون الجامعة مؤسسة مستقلة وحيّة وفاعلة ومحترمة، ولها دور وحساب واعتبار، وإما فلماذا انت مضطر لأن تختم حياتك السياسية بوأد ماض دبلوماسي براق. لقد جرب العرب أنصاف الحلول وارباع الحلول وجربوا الصدأ وجربوا حبوب النسيان التي وزعتها الجامعة، طالبة الى الجميع ان يتكرموا بنسيانها وعدم ازعاجها وتكفلت هي بعدم ازعاجهم واتفق الجميع على عدم رمي الحصى في بحيرات السكون. وقد اوصلتنا تجارب العقود الماضية الى هذه الجامعة. إما ان تغير وإما ان تعتذر. الحل الثالث ليس في صالحك ولا في صالحها ولا في صالح احد.