فتش عن النظافة

TT

كتب الزميل سمير عطا الله قبل ايام يقول انه حالما يصل الى اي دولة يقوم بزيارتها يبادر فورا الى مطالعة جميع جرائدها الرئيسية بكافة زواياها ومقالاتها ليطلع نفسه على احوال البلاد. وهذا شيء جميل على درجة عالية من الاهتمام المهني، فمعظمنا لا يعبأ بالاطلاع على احوال البلاد عندما ندعى لزيارتها. وانا واحد منهم، اقصد ممن لا يهمهم الاطلاع على الاحوال، ما يهمني حتما هو الاطلاع على موقف الجمهور منها.

ولكنني في كل الاحوال لا اتبع اسلوب الزميل سمير مطلقا. وقلما اقرأ اي صحيفة صادرة في اي بلد عربي. لا ادري ما الذي يستطيع الزميل الكاتب ان يحصل عليه من قراءة تلك الصحف غير الاطلاع على الوفيات في البلدان التي يسمحون فيها بذكر الوفيات. فأكثر هذه البلدان تعتبر موت احد المواطنين عيبا على النظام فتظهر بمظهر البلد الذي لا يموت فيه احد.

في زمن المرحوم جمال عبد الناصر وتأميم الصحافة اصبحت الصحف متشابهة الى درجة ان احد باعة الجرائد اخذ يبيع الجرائد بأسعار مخفضة يأخذها من المطبعة بدون اسماء وعنده ختمان احدهما يحمل اسم جريدة معينة والآخر اسم جريدة ثانية تأتي اليه وتطلب منه جريدة، فيضع ختم تلك الجريدة على نسخة ويبيعك اياها. يأتي آخر ويطلب الجريدة الثانية فيختم له النسخة باسم تلك الجريدة ويبيعها له.

اذا كان اسلوب سمير عطا الله للاطلاع على احوال البلاد يقوم على قراءة صحفها، فاسلوبي بسيط ورخيص ويقوم على استعمال مرافقها الصحية العامة، فلا شيء ادل على مستوى بلد او عائلة او فندق او مطعم كمستوى المرافق الموجودة فيه. هذا شيء قلما اوقعني بأي خطأ. وهذا شيء اوحت لي به الكاتبة جل بيهان، المختصة بالكتابة عن الطعام والمطاعم.

سألتها كيف تقيمين مستوى المطاعم التي تكتبين عنها قالت باستعمال مرافقها، لا تلتفت لقائمة الطعام ولا الى تزويق المطعم واثاثه ولا تنتظر حتى يأتوك بالاكل. لا تلتفت الى اي شيء بل اذهب فورا الى مرافق المطعم فتجد كل شيء امامك ومستوى النظافة والخدمة والعناية ونوعية الزبائن ونوعية الادارة وكل شيء.

من حينها اصبحت اطبق هذه القاعدة في تقييم احوال البلاد التي ازورها، بالطبع، اتجاهل دورات المياه في مطاراتها. فهذه مصممة للسياح.. احبس حاجتي حتى اصل وسط المدينة فأسرع الى مرافقها العامة.

هناك في اقل من دقيقة احصل على الصورة الكاملة للدولة وشعبها وحكومتها. ما أقرأه على جدران تلك المرافق من عبارات ورسوم وشعارات يغنيني عن كل ما يكتبه صحفيوها ومفكروها. ما اجده من قذارة واجهزة عاطلة وحنفيات تخر بالماء وخدم اقرب الى الشحاذين منهم الى مستخدمي دولة، يقول لي كل شيء عن احوال البلاد.

هذا الشيء الذي اوحت لي به جل بيهان، وغاب عن انتباه سائر المؤسسات الدولية ومكاتب السياحة والسفر، وبالطبع عن ملاحظة الكتاب والباحثين المنشغلين ابدا بحكايات المؤتمرات والمفاوضات وكل ما لا يتصل بالحياة. وهو النقص الذي سأعالجه في مقالتي القادمة.