تحديات الصدام القادم بين الغرب والمسلمين

TT

يبدو أن العاصمة البريطانية ومدنا أخرى، وربما المملكة المتحدة ككل باتت مرشحة لتشهد توترا شديدا قد يصل إلى حد الصدام والفرقة بين أفراد ومؤسسات المجتمع البريطاني والجالية المسلمة التي تعيش في بريطانيا، حيث أن المتتبع للتصريحات المتتالية لكبار المسؤولين في الدولة، بدءاً من رئيس الوزراء توني بلير وجاك سترو وزير الخارجية السابق وشخصيات أخرى تؤكد عزم مجاميع حزبية وسياسية وإعلامية بريطانية على مواجهة سلوك وعادات وتقاليد الجالية المسلمة في بريطانيا باعتبارها «حالة انفصالية»، على حد تعبير رئيس الوزراء البريطاني.

الجدل في مثل هذه الأمور ليس مرفوضاً ولكنه خطر للغاية، خصوصاً في مثل هذه الظروف التي يشهدها العالم، وتحديداً الغرب والجاليات المسلمة التي تعيش فيه من جهة والمسلمون خارج المجتمع الغربي، فمن الواضح أن ثمة تطرفاً فكرياًً لدى بعض الجماعات في الغرب وأيضاً لدى بعض الجماعات الإسلامية في الغرب والشرق، إلى جانب وجود مصالح لدى البعض كجماعة بن لادن، في الدفع نحو احتدام الحوار وتأزيم العلاقة ككل بين الغرب والعالم الإسلامي ليكسبوا بالنهاية معركة التكفير والإرهاب والتطرف.

المجتمع البريطاني كما هو معروف مجتمع متسامح، وهو أول المجتمعات التي فتحت أبوابها منذ الحرب العالمية الثانية للمهاجرين والمضطهدين، وفقاً لسياسة الإيواء واللجوء السياسي، وهكذا أصبحت بريطانيا ملاذاً للطوائف الدينية المتعددة والجماعات السياسية المختلفة والتيارات الفكرية المتنافرة.

وبالرغم من عدم وجود تعداد رسمي للجالية المسلمة في بريطانيا، إلا أن المعطيات تشير إلى أن عدد المسلمين يفوق المليونين ولهم حقوق متكافئة، كأي مواطن بريطاني أو جالية أخرى في المدارس والمراكز الثقافية والمنابر الإعلامية والبرلمان أيضاً.

مشهد المسلمين في بريطانيا والعالم ككل لم يكن أبداً لافتاً للنظر لغاية أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتفجيرات السابع من يوليو 2005 بسبب تورط بعض العناصر التي رفعت شعارات إسلامية وهي في الواقع تسعى إلى تحقيق أهداف ومشاريع إرهابية وتخريبية.

وليس من المستغرب أن تصبح بريطانيا كما أشارت تقارير الاستخبارات البريطانية الأخيرة هدفاً ومشروعاً لتنظيم القاعدة من أجل أن تصبح المملكة المتحدة جزءاً من المواجهة والتوتر مع العالم الإسلامي وتتحقق بالتالي أهداف القاعدة ومؤيديهم في العالم.

الإسلام والمسلمون في بريطانيا لم يكونا أبداً موضوعاً للنقاش العلني فقد أقتصر النقاش حوله في الساحات الدينية في حدود ضيقة، إلا أن الحماس البريطاني الذي أبداه بعض كبار المسؤولين في الدولة ولاقى وما زال يلاقي استحسانا وجمهوراً متحمساً أيضاً في الساحتين السياسية والإعلامية ينذر بعواقب لا يمكن أن يتحملها المجتمع الغربي وكذلك المجتمع الإسلامي.

المشكلة بالتأكيد ليست في تقاليد وسلوك وعادات المسلمين ولكن لا بد من التوقف عند بعض العوامل التي تساهم في تأجيح التوتر والصدام بين أفراد المجتمع الغربي ومؤسساته مع المسلمين، ولعل أبرز هذه العوامل قضية الاندماج. والثانية قضية نزاع تاريخي وأكثر من جرح غائر في جسد الأمة العربية.

ولا شك أن القضية الثانية أكثر ارتباط وتأثيراً في قضية الاندماج والعلاقة بين المسلمين والعالم الغربي، فمن الصعب بل المستحيل قيام علاقة دافئة بين الجانبين في ضوء استمرار وجود نزاعات إقليمية وفوضى واضطرابات أمنية في الشرق الأوسط ، لكن هذا لا يعني السكوت على مشهد الاحتدام والصدام بين أفراد ومؤسسات المجتمع الغربي وأفراد ومؤسسات العالم الإسلامي.

أما قضية الاندماج فلا شك أن هناك أكثر من سبب وظرف في صعوبة الاندماج، ولعل أبرز الأسباب تكمن في وجود جماعات وجهات تعمل على التعبئة ضد الاندماج إلى جانب توفر ساحات خصبة لانتشار مشاريع التعبئة ضد الغرب.

الإسلام ومنظر المسلمين بات مشوهاً في الفترة الأخيرة بسبب حالة التردد والفرجة التي استولت على موقف معظم البلدان والمنظمات الإسلامية والعربية تحديداً، وكأن تصحيح مسار التطبيق الخاطئ للشريعة الإسلامية به شيء من التطاول على الدين الإسلامي وهذا غير صحيح على الإطلاق.

إن عملية تصحيح صورة الإسلام والمسلمين والتصدي لمشاريع الصدام والتوتر بين المسلمين وأفراد ومؤسسات المجتمع الغربي تتطلب قيام حوار متكافئ وجاد وغير تقليدي بين كافة الأطراف المعنية وخصوصاً مع الأطراف غير الإسلامية على أن يكون الحوار باتجاهين أحدهما في اتجاه المجتمع الغربي والآخر في اتجاه المجتمع الإسلامي وبين أفراده ومؤسساته.

* إعلامي كويتي