مسؤولية خطيرة

TT

العالم مدين بالكثير للغربيين، فجل هذه العقاقير والاكتشافات الطبية والتقدم التكنولوجي والاصلاحات السياسية والاجتماعية، يعود الفضل فيها للغرب. ولكن الغربيين ايضا مدينون للعالم بسبب الجرائم الكبرى التي أودوا العالم فيها. اذكر من ذلك الحربين العالميتين اللتين تسببوا بهما واغرقوا فيهما الشعوب الأخرى التي لم يكن لها أي علاقة في الأمر، ولم يعرف لهما أي سبب غير جشع الغربيين ونزواتهم. كل ما يقترفه الإرهابيون الآن من ابناء العالم الثالث من جرائم لا يعتبر شيئا بالمقارنة بما فعله الأوربيون من تقتيل وتدمير وتجويع في هاتين الحربين.

ولكنهم الآن على وشك جر الكرة الارضية برمتها لأبشع كارثة لم يعرفها هذا الكوكب طوال تاريخه ومنذ تكونه. اقصد بها طبعا تلويثها وتعريضها لسخونة لا تبقي ولا تذر. المسؤول الأول في هذه الكارثة الولايات المتحدة التي ظلت حتى الأيام الأخيرة تنفي أي علاقة بين سخونة الكوكب والتلويث بالكاربون، وبقيت تعارض أي اجراء للحد من استهلاكها للمواد الكاربونية.

التقرير العلمي والموضوعي الصادر مؤخرا في بريطانيا باسم تقرير ستيرن، يفيد بأنه اذا ارتفع معدل الحرارة بدرجتين سنتغراد، فإن اربعة بلايين انسان سيواجهون نقصا بالماء ويتشرد 200 مليون انسان من ديارهم، ويتعرض 200 مليون للمجاعة ويتعرض 60 مليون للملاريا في افريقيا وينخفض الحاصل الزراعي بنسبة 35% في الشرق الاوسط وافريقيا. هذا كله اذا ارتفعت الحرارة بدرجتين، ولكن المتوقع ان يبلغ الارتفاع ست درجات بنهاية القرن. من المسؤول عن هذا التطور الذي لم تشهد الارض مثيلا له منذ نشوئها؟ إنها الدول الصناعية في تهالكها على المزيد من الانتاج والاثراء والاستهلاك والتزبيل. وكله مما يتضمن الإحراق وانتاج ثاني أوكسيد الكاربون. يرتبط كل هذا بالنظام الرأسمالي القائم اساسا على تشجيع زيادة الانتاج وزيادة الامتلاك وزيادة الاستهلاك. وفي هذا الإطار نجد أن كل دول العالم لا تعتز بشيء كما تعتز بالنمو وارتفاع الناتج الاجمالي. لم اسمع أحدا يقول دعونا نخفض الانتاج أو الاستهلاك رحمة بالبيئة ومصير الانسان. القناعة فضيلة تنكرها الرأسمالية أو تحذر منها. واذا كان النظام الرأسمالي يتجسم بأقوى صوره في امريكا، فلا عجب ان نسمع جورج بوش والمحافظين الجدد وجل اصحاب القول والحول هناك يتنكرون لموضوع البيئة ويشككون حتى في وجود المشكلة. المهم عندهم هو ان تنتج وتبيع ثم تقنع المشتري بنبذ ما اشتراه وابتياع البديل الجديد ثم تعتز في نهاية العام بارتفاع الانتاجية والمربحية واترك المستقبل لله عز وجل. يعود20% من مشكلة التلوث لسلوك الولايات المتحدة وشعبها. يدعو المسؤولون والعارفون في الغرب الآن لتبني حلول، يرون انها ستحد من استهلاك الكاربون، كحث الناس على استعمال سيارات اصغر، واستعمال الدراجات وتسخير الريح في توليد القوة وتدوير القمامة ونحو ذلك. كلها في رأيي افكار ثانوية لا تحل المشكلة. هناك الدعوة لاتباع طراز جديد للحياة. لم يقولوا أي طراز. اساس المشكلة يرتبط بأساس الفلسفة الرأسمالية، التي تتضمن الجشع والطمع والاكتناز والاستهلاك بعين الوقت.