إيران.. لعبة الوقت

TT

ونحن صغار، في المدينة المنورة، كنا ننتظر قبل موعد صلاة الظهر والعصر بدقائق لعرض ما لدينا من سجاجيد الصلاة لبيعها للحجاج، فمع جو المدينة الحار، واستعجال الحجاج للحاق بمواعيد الصلاة لا يتسنى لهم المفاصلة حول السعر، فيشترون فورا السجاد وفق السعر المعروض، ويلحقون بالصلاة قبل أذان الإقامة. إلا الحجاج الإيرانيين، كانوا الأكثر دهاء، حيث يشترون منا السجاد بعد الصلاة، فلا هم مستعجلون، ولا نحن قادرون على اللعب على عامل الوقت!

تذكرت تلك الأيام بعد تصريح الرئيس محمود أحمدي نجاد بأن «الوقت في مصلحة إيران وكل يوم يمضي يحتم على الأوروبيين التراجع خطوة، والاعتراف بحق إيران، بينما يتقدم الشعب الإيراني إلى الإمام باتجاه قمة التكنولوجيا».

وهو محق بذلك، فالصبر لعبة الإيرانيين بكل اقتدار، والظروف الدولية تسير في مصلحتهم، فالرئيس الأميركي جورج بوش عليه مواجهة الديموقراطيين، الذين بمقدورهم الحد من تحركاته الخارجية، حتى وإن كان لا خلاف على المصالح العليا لأميركا. إلا أن الديموقراطيين يريدون الحد من مجرد التفكير بحرب أميركية جديدة، وهذا لا يعني بالطبع إلغاء فكرة الضربة الوقائية!

في أوروبا الحال ليس أحسن، فالرئيس شيراك على مشارف الانتخابات الرئاسية، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في طريقه للرحيل قريبا. أما في إسرائيل، العدو اللدود لإيران، فإيهود أولمرت ما يزال يبرر حربه الأخيرة مع حزب الله ويثير قضية الأسيرين اللذين لم يطلق سراحهما بعد، وما الذي حققه فيها، ولديه قضية الأسير في فلسطين.

عربيا، هناك قلق مع عدم وضوح، خوف الحرب، أو رد الفعل الإيراني، فهي الجار الكبير، والمتصرف اليوم في لبنان وسورية والعراق، وبإمكانها اللعب على ملفات حساسة في الدول الخليجية، والأمر نفسه في مصر، فطهران استغلت الوقت أحسن استغلال، فحين يقال في المثل الغربي أن الوقت مثل المال، فإيران كانت، وما تزال، تصرف الدولارات على كل دقيقة، شراء للنفوذ!

ولذلك فالرئيس الإيراني معه كل الحق حين يقول إن الوقت في مصلحة بلاده، فإيران الثورة موجودة، بكل عافيتها منذ 1979 وحتى اليوم، ذهب من ذهب من الإدارات الأميركية، والحكام العرب، والأوروبيين، والأمر نفسه ينطبق على طالبان، وصدام حسين، في الوقت الذي صمد فيه رموز الثورة، ولا يزال فكرها في تمدد. طهران كانت وما تزال تقف على طرف النهر، كما يقال، وتشاهد جثث أعدائها تمر أمامها.

السر في كل ذلك هو وضوح ما تريده إيران، مقابل تشعب، وتشابك، وتناقض ما يريده خصومها، المحقون، وغير المحقين. طهران تكيفت مع كل تغيير، من إسلامي سني، وحتى الانتخابات، واستضافت قيادات «القاعدة» الفارين إلى أراضيها. إيران لعبت على كل المتناقضات، بينما غيرها يذهب ضحية تلك التناقضات. هل من حل لهذه المعضلة؟ المسألة متروكة للعبة الوقت!

[email protected]