الضحية الكبرى

TT

فلنتأمل في الظاهر والمرئي: في افغانستان، «الطالبان» يستعيدون قواهم. في العراق، المشروع الاميركي في الحضيض. في إيران المشروع النووي يتجاهل دعوات وتحذيرات الجميع.

من يكون إذن الخاسر الأكبر؟ انه الامل بقيام نوع من النظام الديمقراطي في الشرق الاوسط. فأمام الكارثة التي وقعت في العراق، خرج عدد كبير من الناس ـ وبعض من لم يخرج ايضاً ـ يهلل لصدام حسين ويعترض على الحكم بالاعدام. اذ امام صورة الخراب والدمار والتفكك، فضلت الناس صورة الديكتاتور الذي كانت تحلم منذ عقود بزواله. لقد اصيب المشروع الديمقراطي في الشرق الاوسط بنكسة عميقة بعيدة المدى. والحكومات، التي اقامتها اميركا في بغداد تحولت الى شهود على عمليات قتل واسعة. وفي كابل لم تخرج التجربة «الديمقراطية» على حدود العاصمة. في حين دعمت واشنطن، على نحو واضح، عمليات التمديد الانتخابية لحلفائها العسكريين في دول اخرى، من دون اي حرج. وفي ثلاث حالات على الاقل اختصرت عملية «التناوب» الديمقراطي، في ان يرث الرجل نفسه ولكن عن طريق صناديق الاقتراع. ومعروف ان هذه الصناديق في العالم الثالث مصنوعة من حديد سميك لا من زجاج شفاف. ولم يكن العراق يستأهل كل هذه الكارثة من اجل مثل هذه الديمقراطية. ففي النتيجة تم تحويل الديمقراطية الى بعبع لا الى نموذج. واصبحت شعوب كثيرة تخشى انه اذا كانت هذه نتائج الحريات الموعودة، فالعبوديات القائمة اكثر سلامة على الاقل. وبدل من ان يحمل الاميركيون معهم النموذج «البديل»، اي الحداثة الصناعية ونشر الكفاية وتشجيع الازدهار، تركوا لأرعن واحد يدعى دونالد رامسفلد ان يحل الجيش العراقي. هل يمكن ان نتصور بلداً مثل العراق، من دون جيش؟ ان العراق لا يمكن ضبطه حتى بوجود جيش قوي، فكيف عندما تقول لكل هذه القوى المتصارعة، تفضلوا وافعلوا ما تشاؤون فلم يعد هناك جيش؟

كيف ستلملم اميركا اشلاء الكارثة الآن؟ انها تنتظر تقرير لي هاملتون وجيمس بيكر منتصف الشهر المقبل. ومساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد يقول انها ستفاوض ايران. ولكن بعد ماذا، ومن اي موقع؟ وعلى ماذا تستطيع ان تفاوض ايران في العراق او في المشروع النووي او في التأثير الواضح في فلسطين ولبنان؟ سوف يدعو جيمس بيكر على الارجح للعودة الى البدء، لكي لا يسمي ذلك العودة الى الصفر. وقد يطلب اليه جورج بوش شخصياً ما تمنع عن طلبه منذ 6 سنوات. اي ان يتولى هو تجميع حطام الخزف في هذا الاناء المنثور على مدى منطقة باكملها. ولكن في الارض جثة لن ينفع معها شيء. جثة الديمقراطية التي جاءت القوات الاميركية باسمها فإذا الناس تهتف ـ برغم اعلان الطوارئ ـ لصدام حسين.