ايهما أهون الحزبين للعرب والمسلمين؟

TT

كثيرة الدلائل التي تشير إلى أن الحزب الديمقراطي، هو الذي سيحكم في الولايات المتحدة بعد انصراف الادارة البوشية التي ألحقت بالعرب والمسلمين ديناً وشعوباً وتقاليد ومتاحف ونفطاً أذى لا مثيل له. وتلك فرصة ربما تكون لمصلحة المتضررين على اساس ان الديمقراطيين ليسوا على الارتهان الذي هم عليه الجمهوريون لإسرائيل، فضلاً عن ان للديمقراطيين ثأراً على اللوبي الصهيوني، لأنه صب في انتخابات العام 2000 أصوات يهود ولاية فلوريدا، لمصلحة جورج بوش الابن، وبذلك سقط المرشح الديمقراطي جون كيري الذي كان فوزه مضموناً لترؤس اميركا. ونشير هنا الى ان هذا الأخير كان أعلن فوزه ثم اقتحمت الموقف لعبة إعادة فرز الأصوات، وتأجَّل لذلك اعلان النتائج رسمياً لمدة شهر تمت خلاله، على ما يجوز الافتراض، الصفقة بين الحزب الجمهوري واللوبي الصهيوني، والذي بمقتضاه ملأ بوش الابن ادارته بعناصر متصهينة، وتبنَّى من دون اي تحفظات مخطط ارييل شارون، كما انه لا يفي بوعوده للأصدقاء العرب والمسلمين في شأن مواقف ارتضوها على مضض، ومنها خارطة الطريق والدولة الفلسطينية التي تملك مقومات العيش الى جانب الدولة الاسرائيلية، مكرراً في كل مرة تعتدي اسرائيل على الشعب الفلسطيني اسطوانة: «حق اسرائيل في الدفاع عن النفس». وهي اسطوانة ممجوجة، من المؤسف ان البعض أخذها على انها مجرد كلام للاستهلاك اليهودي، وان حقيقة الشعور مختلفة، لكن الوقائع والتصريحات اثبتت انها ليست مختلفة على الاطلاق. وإلى ذلك، هنالك زلات اللسان التي تبيّن انها انعكاس لمواقف الإدارة الجمهورية التي لم تحترم عهداً مع العرب والمسلمين. ثم هنالك ايضاً كارثة العراق التي اقترفتها الادارة الجمهورية ووضعت المنطقة على حافة الاحتراب الأهلي.

كانت الحقبة الجمهورية ظالمة الى أبعد الحدود في حق العرب والمسلمين، ولذا فمن الطبيعي، عندما تتوارى هذه الحقبة، ان نشعر بأن كابوساً أُزيح عن صدورنا، وان المأساة العراقية كانت الرافعة لهذا الكابوس، مع تسجيل حزننا البالغ لما ابتُلي به اخواننا ابناء الشعب العراقي الأبي. ونقول ان المأساة كانت الرافعة، لأن الحزب الديمقراطي لم يجد أفضل من التورط الجمهوري في العراق لمقارعة الإدارة البوشية. هذا الى جانب اتساع رقعة الفساد وكثرة عدد الفاسدين والمفسدين في هذه الادارة. وربما كان من المستحيل، لولا تداعيات الحرب على العراق ان يستطيع الحزب الديمقراطي تحقيق الانتصار الذي حققه في الانتخابات النصفية للكونغرس. وهو انتصار لن يكتمل، إلاَّ بعد أن ينتزع الديمقراطيون من الجمهوريين البيت الابيض بعد حوالى سنتين، اي بما معناه يفوز هؤلاء في انتخابات الرئاسة الاميركية. ومن الآن وحتى ذلك اليوم، سيبدأ الديمقراطيون فتح ملفات الحقبة البوشية مع التركيز على قضية اساسية متصلة بالحرب على العراق، وهي: كيف يجوز من اجل إثراء بضع شركات تربطها علاقة مالية ببعض كواسر الادارة الجمهورية مثل ديك تشيني ودونالد رامسفيلد التسبب بموت بضعة الوف من الجنود الاميركان وبإعاقة الوف آخرين سيتحولون عبئاً مالياً مدى الحياة على الخزينة الاميركية؟ وزيادة في التوضيح يمكن لهؤلاء الديمقراطيين القول بعد الآن وهم يفتحون الملفات البوشية: هل من المسؤولية النظيفة في شيء لكي يجني بعض كواسر الادارة الجمهورية مئتي مليار دولار، التسبب بتكاليف حرب على العراق، وصلت حتى الآن الى حوالى ستمئة مليار دولار، هي في الواقع عجز في الخزينة، ليس من السهل تخفيضه؟

ما يعنينا من هذا كله هو الأمل في ان تنصفنا الادارة الاميركية الديمقراطية، المتوقعة بعد سنتين، من الأذى البالغ الذي ألحقته بنا الادارة الجمهورية التي بدأت شمسها في الغياب. ومع ان تجربة العرب والمسلمين مع الادارة الديمقراطية ايام الرئيس جيمي كارتر، لم تكن زاهية نتيجة ان الرئيس كارتر الذي ما زال على قيد الحياة خطف من الأمتين مصر، وورَّطها في صلح مع اسرائيل، اخذ من بريق الدولة العربية الاكبر ودورها ووزنها كرقم صعب في المعادلة الاقليمية، ومن دون اي مردود لصالح القضية الفلسطينية وقضية السلام عموماً في المنطقة. إلاَّ ان الديمقراطيين يبقون افضل من الجمهوريين بالنسبة الى قضايا تخص الأمتين، ذلك انهم في الدرجة الاولى لا يحبذون خوض الحروب نقيض الجمهوريين الذين هم من هواة التعامل مع الآخرين عن طريق الحرب. بدليل ان بوش الابن كما بوش الأب هما رمزا حربين على المنطقة، كانتا على درجة من الافتعال والتجني، واستهدفتا العراق لأنه بلد غني ومن شأن بعض غنائمه انعاش شركات معيَّنة في اميركا. كما ان الديمقراطيين في الموضوع الفلسطيني ليسوا بالفظاظة التي عليها الحزب الجمهوري. ولذا فإن تنشيط العلاقة مع الديمقراطيين تبدو ضرورية ومِنْ قبل ان يتسلموا دفة البيت الابيض كي لا ينطبق علينا المثل الشعبي حول الذين يذهبون الى الحج، بعد ان يكون موسم الفريضة انتهى. ولقد تصوَّرنا ان الادارة البوشية يمكن كبادرة حُسن نية ان تغتنم مناسبة التصويت على مشروع قرار حول مجزرة «بيت حانون» في قطاع غزة حرصت الدبلوماسية العربية بالاجماع على ان يكون متوازناً، وبأكثر مما يجب من اجل المصادقة عليه ونجاته من «الفيتو» الاميركي، لكن الادارة الصديقة وهي المهزومة استعملت حق النقض لأن مشروع القرار يدين اسرائيل. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، وانما أَتْبع الرئيس بوش التصرف غير العاقل بحفاوة ملحوظة برئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت الذي هو رمز خيبة الأمل العربية والاسلامية بالادارة البوشية. وقد يكون الدافع الى هذه الحفاوة ان الرئيس بوش في ازمة ناشئة عن الإخفاق في العراق والهزيمة في الانتخابات النصفية للكونغرس امام الديمقراطيين التي هي من نوع الهزيمة التي مُني بها أولمرت في لبنان امام حزب الله، وان الاثنين يريدان في لقائهما مواساة بعضهما او تقييم تجربة الوقفة غير الموفقة للادارة البوشية مع اسرائيل، او ربما البحث في صيغة ما لإعادة الاعتبار الى الطرفين المهزومين، كأن يتم توجيه ضربة لإيران قبل انتهاء ولاية «الكونغرس الجمهوري» اواخر ديسمبر (كانون الاول) المقبل. وهذه المرة، ترى الادارة البوشية في حال كان لا بد من الضربة ان تكون طبعة جديدة من العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عبد الناصر عام 1956، وتتعاون اميركا وبريطانيا واسرائيل على توجيه الضربة الى ايران متذرعة مجتمعة، او كل دولة بذريعة تخصها، بأن لا استقرار ولا حلول لقضايا المنطقة ما دامت ايران ماضية في انجاز طموحها النووي، وما دام رئيسها محمود احمدي نجاد يرى بأسلوب المستفز والمتحدي، بينما اولمرت في رحاب البيت الأبيض يُجري محادثات مع الرئيس بوش «ان القوى العظمى أوجدت النظام الصهيوني لبسط هيمنتها على المنطقة. وبما ان هذا النظام مخالف للطبيعة فسنشهد قريباً زواله.. »، ومن هذا الاحتمال يمكن قراءة كلام الشماتة ببوش من جانب مرشد الثورة الايرانية خامنئي، الذي اعتبر هزيمة بوش نصراً لإيران، ثم قراءة كلام الرئيس بوش بعد لقائه مع اولمرت، بأنه لن يتصل بالحكم الايراني قبل تخليه عن طموحاته النووية، كما لن يفتح حواراً مع الحكم السوري إلاَّ «ي سياق سياسة سورية مسؤولة في لبنان والعراق». كذلك يمكن افتراض احتمال العدوان الثلاثي من خلال قول اولمرت بعد اللقاء مع بوش «ان اسرائيل لن تسمح بامتلاك ايران السلاح النووي، وآمل بألا نضطر إلى توجيه ضربة استباقية إلى إيران.. ».

واحتمال العدوان الثلاثي مرتبط في أي حال بالترميم الذي قد يلجأ اليه الرئيس بوش للأشهر المتبقية من ولايته، بحيث انه اذا ابقى على ديك تشيني نائباً له، وابقى تبعاً لذلك على عشرات العناصر الموزَّعة على مفاصل البيت الأبيض ومؤسسات الحكم والذين يدينون بالولاء لكواسر الحقبة الجمهورية، فإن العدوان وارد وبذلك سيحول دون انخفاض كبير في اسعار النفط. اما اذا هو ابرم اتفاق مشاركة في القرار، يدفع الكواسر ثمنها بمعنى تغييرهم بأشخاص جدد يرتاح لهم الديمقراطيون، فإن فكرة العدوان في هذه الحال تتراجع، لأن الديمقراطيين الذين فازوا في الانتخابات، بسبب معارضتهم التورط في العراق، ووقفوا بشدة امام استشراء الفساد وكثرة الفاسدين والمفسدين الذين جنوا ثروات من رفع اسعار النفط على حساب المستهلك، لا يمكن ان يتصرفوا على اساس انهم ضد التورط في العراق، لكنهم مع التورط في عدوان على ايران او حتى على سورية وايران معاً، من اجل تلبية مطالب الاسرائيليين. وفي اي حال تبدو الدول النفطية مضطرة لاستباق نبأ صاعق، يشير الى عودة ثمن برميل النفط بعد شهرين الى ما دون الخمسين دولاراً.

نخلص الى القول ان اهون الحزبين (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي) الأقرب الينا، كعرب ومسلمين، هو الحزب الديمقراطي، كونه خطَّافاً كما فعل كارتر الذي خطف مصر من امتها، وليس عدوانياً على نحو ما يفعل بوش الابن بعد بوش الأب بنا. وفي ضوء ذلك فمن مصلحة اصحاب الطموحات الاسلامية، ونعني بهم على وجه الخصوص اهل الحكم الايراني ان يساعدوا لبنان وفلسطين والعراق ويُطمئنوا الجيران الخليجيين، وذلك بإعادة نظر في السلوك والخطاب.. ويجربوا كما بعض العرب، العهد الآتي في اميركا على يدي أهون الحزبين.